للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرقيق يا ترى؟

يا ولدي!!. . . يا حبة القلب يا أركس. . .!!)

وتبكي البائسة بكاء يذيب الصخر، ويحرق فحمة الليل، ويزلزل أركان الكهف المظلم الذي تعودت قضاء لياليها فيه. . .

أما أركس فقد كان هو الآخر يبكي أمه، حتى استطاع مؤدبه شيرون أن يفل بنصائحه غرب حزنه، ويطفئ بمواعظة نار أساه، فنسى، أو تسلى. . . أو تناسى. . .

واستد ساعده، وثقف الرماية حتى ما يطيش له سهم، ولا تخيب له رمية؛ وأحبه شيرون من سويدائه، ولازمه طويلا، حتى كانت حرب السنتور فودعه وعاش الفتى وحيدا. . . يحيا حياة هي بحياة أمه في شبابها الأول أشبه، فيختلف إلى الغابة يصيد منها الثعالب، وإلى البرية يرمي فيها الوعول، ويعود مع الغروب مثقلا بالصيد

وفيما هو يرتاد الغابة في ضحى يوم شديد القيظ، إذا أمه المسكينة تلمحه فجأة، وتعرف فيه ابنها، وأعز الناس عليها. . .! فتذهل عن نفسها وتقف مشدوهة باهتة لا تنبس ولا تحير!

فهل عرفت هذا التماثيل المرمرية التي تقف صامتة كالألغاز في المتاحف ودور الآثار؟ لقد كانت كليستو أشد منها تحجرا عندما شاهدت ابنها بعد هذه السنين الطوال!

ولقد خشيت أن تزعجه بوجودها، لأن الصيادين لا يرهبون من ضواري الغاب شيئا كما يرهبون الدباب، فحاولت أن تختبئ وراء شجرة أو نحوها، ولكن. . هيهات!! فلقد عجزت عن الحركة المجردة لما تولاها من الحيرة والارتباك!

والتفت أركس ففزع أيما فزع لوجود دبة متوحشة كبيرة الجرم على مقربة منه، وهو غير متهيئ للرماية، فارتبك حين تناول قوسه بيد مرتجفة، وأصابع مرتعشة. . . . ولكنه، ويا للعجب! أحس ببريق غريب ينبعث من عيني الدبة، وشعر بحنان وعطف يتحركان في صميمه من أجلها، وحاول أن يتعرف مصدر هذا الحنان فلم يستطع، وضاعف دهشته أن الدبة سمرت مكانها دون ما حراك، وأن دموعا حارة أخذت تنسكب بغزارة من عينيها اللتين ترنوان إليه، وما تريمان عنه!!

وكم كانت كليستو تتمنى لو تقدر الكلام فتقص حكايتها على ابنها، بيد أنها خافت أن تضاعف انزعاجه بصراخها الحيواني المخيف. . . فصمتت. . . وتكلمت عبراتها!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>