للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وخيل لها أن ذنبا ينبت وراءها، فتحسسته فأيقنت أنه ذيل خبيث. . . ما في ذلك ريب!

وفزعت كليستو، فأردت أن تصيح تستنصر الغابة، ولكن. . . يا للهول! لقد راحت تصرخ كما تصرخ الحيوانات، وتعوي كما تعوي الذئاب!!

وانخلع قلب الفتاة فحاولت أن تغادر هذا المكان الساحر، ولكنها لم تستطع أن تنهض على قدمين، بل انطلقت تعدو على أربع كأنها بهيمة من بهائم الأرض!

وأصابتها حيرا بظمأ كاد يصهر حلقها فذهبت إلى غدير ترتوي، ولما انحنت ترشف الماء رأت صورتها المفزعة تتقلب في صفحته، وأنها لم تعد كليستو الحسناء بعد، بل إنها قد انسحرت فصارت دبة قبيحة قذرة ذات أنف طويل أسود، وعينين رجراجتين تقدحان بالشرر

وانطلقت في الغابة تعدو وتعدو، وتتوارى بين الأشجار حتى لا يراها أحد، وكانت الحيوانات - حتى ضواريها - تفزع منها كلما مرت بها، وهكذا شاءت المقادير الظالمة ألا يكون لها صديق حتى من سباع الغابة الموحشة، التي كانت قبل لحظات ترقص بين يديها. . . وتنشد وتغني!!

وضربت في القفار والفلوات، مؤثرة ألا تعود إلى ابنها الحبيب أركس فتفزعه؛ وكانت تختلف إلى الغابة، فإذا مر بها بعض أصدقائها القدماء عرفتهم ولكنها تتوارى عنهم، وفي نفسها هموم وحسرات

خمس عشرة سنة!!

قضتها كليستو التاعسة في هذا الشقاء الطويل، لا تمر بها هنيهة دون أن تفكر في ابنها وتبكي. . . وتفكر في مآلها. . . وتبكي، وتفكر في ذكريات شبابها. . . وتبكي، وتذكر الموسيقى والغناء. . . وتبكي!!

واشتعل قلبها شوقا إلى أركس، فجلست إلى أيكة حزينة تتناجى:

(ترى! ماذا تصنع الآن يا بني؟ أما تزال تنهل كأس هذه الحياة المرة؟ أم أنت قد طواك الردى ونسيك كبير الأولمب؟. هل أنت مريض يا أركس؟ هل في جنبك جرح يتفجر دما لبعد أمك عنك، كهذا الجرح الذي تنزف منه نفسي، وتنسكب حياتي؟ وهل إذا أصابك ضر، فأنت واجد قلبا يحنو عليك ويترفق بك. . . . ويرعاك؟ ومن هو صاحب هذا القلب

<<  <  ج:
ص:  >  >>