وذاعت الأنباء في دولة الأولمب، أن لزيوس خليلة يختلف إليها في الفينة بعد الفينة، وأنه أولدها طفلا بارع الحسن، وسيما قسيما، يكاد يكون في مستقبله هرقل آخر، يضارع هذا الهرقل الهائل، ابن ألكمين، الذي كان يدوخ أبطال العالم في ذلك الوقت. . .
وقد مدت الأرض بحيرا حين علمت هذه الأنباء، لأنها كانت تغار من أزواج زيوس، وتخشى أن تلد إحداهن بطلا يكسف شمس ولديها مارس وفلكان. وكانت الحرب بينها وبين هرقل على أشدها، فكم نثرت في طريقه شوكا، وكم فجرت تحت قدميه ينابيع من نار. أفلا يحزنها إذن أن يبرز لها خصم آخر يغطش حياتها، ويراوحها بالأشجان والآلام!!
وكانت كليستو تصدح في أصيل يوم من أيام الربيع، فتستجيب لها الغابة، ويردد غنائها الطير، ويمشي في إثرها الدوح، وتهتز الأرض والسماء؛ وكانت حيرا قد عرفت أوصافها من شيرون، مدرب فتاها أركس؛ فلما سمعتها تغني، ويمشي وراءها العالم بأسره، عرفت أنها هي!!
وكاد قلب حيرا يصبو إلى كليستو، مسحورا بروعة الغناء، مأخوذا بترجيع البلابل. . . حتى لكانت تخال الورد نفسه يغني معها!! وكادت بذلك تنسى غيظها، بل كادت تنخرط في هذا الحشد الموسيقي الذي يصفق لكليستو ويستجيب لألحانها! ولكن!
لقد ذكرت ابنيها مارس وفلكان، وذكرت يوم صرعهما هرقل في حفل الأولمبياد، حتى لكانا ضحكة كل راء! فنسيت الغناء وأصمت أذنيها، وغرفت من ماء قريب بيديها غرفة جعلت تتمتم عليها بتعاويذ سحرية، ورقى في غيبية، ثم صاحت بالفتاة فسمرت مكانها دهشة مأخوذة، فنثرت حيرا في وجهها الماء وهي تقول:(شاهت دبة! شاهت دبة!)
وا أسفاه!!
لقد أحست كليستو في ذراعيها الجميلتين بخدر شديد، ثم نظرت فرأت شعرا خشنا ينمو بسرعة فيغطي جسمها البض الجميل كله!
وأحست أظافر طويلة غليظة تنبت في أطارف أصابعها، ومخالب مرعبة تبرز من أصابع رجليها المعبودتين!
وشعرت بوجهها الوضاء المشرق يتغير ويتحول، ثم يتغير ويتحول حتى لقد ركب فيه أنف كبير أسود، وفم مغبر في منتهى القبح، يسيل على جنباته لعاب شائه كريه!