ومزج فيها الكلام في القديم والحديث على النحو الذي تقبله النفوس، ولا يكون مثالا غير حي لا ينتفع به قارئه لبعده عن مستوى عقله وخلقه وعاده وحاجته
وعلى الجملة فان كتاب الخلق الكامل استجمع صفات التأليف النافع، وظهرت شخصية مؤلفة في صفحاته، وتحمسه لما يريد أن يدعو إليه ليستقيم حال هذا المجتمع الذي كثرت شروره ومفاسده على صورة لم تكن للمسلمين في الدهر السالف؛ دهمتهم سيئات الحضارة الجديدة فسهل عليهم قبولها أكثر من حسناتها التي صعب عليهم الأخذ بها كلها، ومن الغريب أننا بقدر ما يعلو مستوانا في العلم نزداد ضعة في الأخلاق إلا قليلا، وبعدا عن الجميل من حسنات الأجداد ولآباء، حتى لقد تجد في المتعلمين أخلاقا شاذة واستهتار رديئا قد لا تقع على مثله في العامة والأميين، وهذا من جملة سيئات المدنية المادية التي تجردت من عاطفة الدين وعاطفة الخلق، وقاست كل أمر على المادة والنفع العاجل
محمد كرد علي
تاريخ العرب
في الجاهلية وصدر الإسلام
تأليف الأستاذ عبد المتعال الصعيدي
المدرس بكلية اللغة العربية
اشتمل هذا الكتاب على تاريخ دول العرب الجاهلية، وعلى السيرة النبوية، وعلى تاريخ دولة الخلفاء الراشدين. وفي تاريخ العرب في تلك العهود الثلاثة مسائل كثيرة تحتاج إلى التمحيص، وشهادات للشعوبية في القديم والحديث، فعني هذا الكتاب بتمحيصها، وكشف أمر تلك الشبهات فيها، وسلك في دراسة السيرة النبوية منهجا جديدا كشف فيه غامضها، ورد بأقوى الأدلة كل ما يحاول به تشويه شيء منها، ومن ذلك غزوات النبي صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة، فقد أراد صاحب كتاب (تاريخ اليهود في بلاد العرب) أن يرجع أسبابها إلى طمع المسلمين في أموال أولئك اليهود، وذكر أنه من أجل ذلك تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لدينهم، وكلفهم أن يعترفوا برسالته وهم لا يمكنهم أن يعترفوا