للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

طغج وأنها اشترت الصبية لتستمتع بها لأنها تهوى الصبايا الحسان، فلما عاد إلى المغرب حدث المعز لدين الله بأمرها، فدعا المعز شيوخ القبائل، وروى الوكيل لهم حادث الصبية، وعندئذ قال المعز: يا إخواننا انهضوا إلى مصر فلن يحول بينكم وبينها شئ، فان القوم قد بلغ بهم الترف إلى أن صارت امرأة من بنات الملوك فيهم تخرج بنفسها وتشتري جارية لتتمتع بها، فقد ضعفت نفوس رجالهم وذهبت الغيرة منهم، فانهضوا بنا إليهم

وفي هذه الأقوال التي ينسب قولها عن مصر للمعز لدين الله صورة بارزة لما يسود المجتمع المترف الرخو من عناصر الهدم. وقد كان هذا شأن المجتمع المصري في خاتمة كل فترة من النهوض والقوة: ففي نهاية الدولة الطولونية انتهى المجتمع المصري، بعد فترة قصيرة من الفتوة والبهاء والقوة، إلى نوع من الانحلال والتفكك مهد لسقوط الدولة الطولونية وعود السيادة العباسية؛ وقد كان هذا شأنه في خاتمة الدولة الأخشيدية التي سطعت في عهد مؤسسها لمدى قصير فقط. وقد نشأت الدولة الفاطمية وترعرعت في قفار المغرب، في مهاد البساطة والخشونة والفتوة؛ وانتهت في هذا الوقت الذي أزمع الخليفة الفاطمي فيه فتح مصر، إلى ذروة القوة والفتوة والرجولة إذا صح التعبير. وإليك رواية عن المعز تقدم إلينا صورة قوية مؤثرة عن تلك الروح الخشنة الوثابة التي امتازت بها الدولة الفاطمية في تلك الفترة من حياتها: استدعى المعز في يوم بارد إلى قصره بالمنصورية عدة من شيوخ كتامة، وأمر بإدخالهم إليه من باب خاص، فإذا هو في مجلس مربع كبير مفروش باللبود وحوله كساء وعليه جبة وحوله أبواب مفتحة تفضي إلى خزائن كتب وبين يديه دواة وكتب؛ فقال يا إخواننا أصبحت اليوم في مثل هذا الشتاء والبرد، فقلت لأم الأمراء، وإنها الآن بحيث تسمع كلامي: أترى إخواننا يظنون أنا في مثل هذا اليوم نأكل ونشرب ونتقلب في المثقل والديباج والحرير والفنك والسمور والمسك والخمر والقباء، كما يفعل، أرباب الدنيا، ثم رأيت أن أنفذ إليكم فأحضركم لتشاهدوا حالي إذا خلوت دونكم، واحتجبت عنكم؛ وإني لا أفضلكم في أحوالكم إلا بما لا بد لي منه من دنياكم وبما خصني الله به من إمامتكم؛ وإني مشغول بكتب ترد علي من المشرق والمغرب أجيب عنها بخطي؛ وإني لا أشتغل بشيء من ملاذ الدنيا إلا بما يصون أرواحكم ويعمر بلادكم ويذل أعدائكم ويقمع أضدادكم، فافعلوا يا شيوخ في خلواتكم مثلما أفعله، ولا تظهروا التكبر فينزع

<<  <  ج:
ص:  >  >>