للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لسحق الدولة الأخشيدية. ولما توفي كافور، واضطربت أحوال الدولة، وتعارضت الآراء في مسألة الولاية والحكم، وكثر التنافس على السلطة، وقلت أعطية الجند، كتب بعض زعمائه إلى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله يدعوه إلى فتح مصر؛ واشترك في هذه الدعوة رجل من أكابر رجال الدولة في عهد كافور، هو يعقوب بن كلس؛ وكان الوزير جعفر بن الفرات قد قبض عليه عقب وفاة كافور وزجه إلى السجن وصادر أمواله فما زال يسعى حتى أفرج عنه؛ وفر من مصر إلى المغرب ودعا المعز إلى فتح مصر، ووصف له خصبها وغناها، وضعفها واضطرب أحوالها؛ وقد كان لابن كلس هذا فيما بعد أعظم شأن في الدولة الفاطمية بمصر في عهد المعز وولده العزيز

وقد رأى الفاطميون في موت كافور خاتمة لذلك الاستقرار الذي تمتعت به مصر في عهد بني الأخشيد، ولم يفتهم أن يلاحظوا عوامل الانحلال والوهن التي سرت سراعاً إلى قوى مصر المادية والمعنوية. والواقع أن مصر كانت تعاني من تقلب الزعماء والدول أسوأ الآثار في مواردها وفي نظمها الاجتماعية وأحوالها المعنوية، وكانت تلك القوة التي تسبغها الزعامة المؤقتة على مركزها خلباً، وكان الشعب مطية المتغلب يسوقه إلى الحرب والسلام طبق أهوائه، ويستنفد موارده وأرزاقه في بذخه ومشاريعه، وكانت العاطفة القومية تتبرم بهذه السيادة الأجنبية التي تمثلها قصور لا تصطبغ بصبغة قوية من العروبة أو الزعامة الدينية، كذلك كانت الأزمات الاقتصادية الخطيرة التي تنتهي غالباً بالغلاء والوباء تفعل فعلها في إذكاء عواطف السخط والاستكانة واليأس؛ وقد كانت مصر وقت الفتح الفاطمي (سنة ٣٥٨هـ) تعاني مصائب الغلاء والوباء، ويقال إنها فقدت من أبنائها في تلك المحنة زهاء ستمائة ألف وكان ذلك بلا ريب عاملاً في إضعاف قواها الدفاعية وفي زهدها في النضال والمقاومة. أضف إلى ذلك كله ما كانت تعانيه مصر يومئذ من ضروب الانحلال والفساد الاجتماعي الشامل؛ وقد انتهت إلينا في ذلك رواية إذا صحت فإنها تمثل ما كان لتلك الظاهرة يومئذ من أهمية في إذكاء همة لفاطميين لفتح مصر؛ وخلاصة هذه الرواية أن أم الأمراء (زوجة الخليفة المعز) أرسلت إلى مصر صبية للبيع فعرضها وكيلها في السوق وطلب فيها ألف دينار، فأقبلت إليه امرأة أنيقة فتية على حمار وساومته في ثمنها واشترتها منه بستمائة دينار، وعلم الوكيل أن هذه السيدة الأنيقة هي ابنة الأخشيد محمد بن

<<  <  ج:
ص:  >  >>