للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان من أولئك الزعماء الأقوياء الذين يطمحون إلى الاستقلال بمصر؛ ولكن ابن طغج هزمه ودخل مصر ظافراً وتقلد ولايتها، وأنعم عليه الخليفة بلقب الأخشيد أو (ملك الملوك)

وكان الأخشيد أميراً طموحاً، وافر الذكاء والشجاعة والعزم، فلم تقف همته عند استخلاص الولاية لنفسه على الشام ومصر؛ ولكنه رأى أن ينشئ فيهما لنفسه دولة مستقلة في ظل الخلافة، وأسرة ملوكية يتوارث السلطان من بعده، على مثل ما انتهى إليه ابن طولون بإنشاء الدولة الطولونية. وهكذا قامت بمصر دولة جديدة هي الدولة الأخشيدية؛ واستقرت الأحوال بمصر في ظل الدولة الجديدة، وانتظمت قواتها الدفاعية، واستطاعت أن ترد الغزاة الفاطميين كرة أخرى (سنة ٣٣٢هـ) وسطعت الدولة الأخشيدية بمصر مدى حين، وكادت تتنافس في القوة والبهاء دولة بني العباس ذاتها، ولاح مدى حين أن أمل الفاطميين في فتح مصر قد خبا. ولكن قوة الدولة الجديدة كانت ترجع بالأخص إلى أهمية منشئها الأخشيد وإلى قوة خلاله؛ فلما توفي الأخشيد (سنة ٣٣٤)، وخلفه ولده أنوجور على مصر والشام ثم أخوه علي بن الأخشيد (سنة ٣٤٩)، وآل تدبير الأمور في عهدهما إلى كافور الأخشيدي خادم أبيهما، أخذ صرح الدولة الجديدة في التصدع؛ ولما توفي علي بن الأخشيد، انتزع كافور الإمارة لنفسه (سنة ٣٥٥)؛ وقبض هذا الأسود الخصي مدى حين على مصاير مصر والشام؛ ومع أنه كان كثير الدهاء والعزم، فإنه لم يستطع لأن يحول دون تسرب العوامل المعنوية والاجتماعية الهدامة التي كانت تقضم أسس الدولة الأخشيدية، ولم تطل ولايته مع ذلك أكثر من عامين؛ وخلفه في الإمارة صبي حفيد للأخشيد هو أحمد بن علي بن الأخشيد، وتولى تدبير الأمور وزير مصر القوي جعفر بن الفرات؛ ولكن الأمور كانت قد ساءت يومئذ، فكثرت الأزمات واضطربت أحوال الجند والشعب، وظهرت امارات الذبول والهرم على الدولة الأخشيدية ولاح لها شبح الفناء جاثماً في الأفق

وشغلت الدولة الفاطمية في تلك الفترة بشؤونها الخاصة، فلم تعاود كرة الهجوم على مصر منذ سنة ٣٣٢هـ؛ ومع ذلك فقد لبثت ترقب سير الحوادث في مصر بمنتهى العناية؛ وكانت تعتمد في تنفيذ مشروعها على الشعب المصري ذاته وعلى زعمائه الناقمين على بني الأخشيد، وعلى تمرد الجند الساخط لانتقاص أعطيته؛ وقد كان فريق من أولئك الجند هم الذين دعوا الفاطميين إلى غزو مصر وقت أن غادرها ابن كيغلغ منهزماً أمام الأخشيد

<<  <  ج:
ص:  >  >>