وإذ كانت شؤون هذه الأمة الواحدة في حاجة إلى الراعي، يصرفها ويسهر على تدبيرها، فلا بد لها من قاض يفرق بالعدل بين أبنائها جميعاً فيرضيهم جميعاً، وهذا القاضي هو داعي الدعاة في بمبي، وهو نائبه في كل بلد اتخذها بعض هذه الطائفة منزلاً، يخولونه أمرهم فيقضي بينهم بما شاء، لا يرد له حكم ولا يراجع في أمر؛ ملك لا يملك من أسباب السلطان إلا عدل القاضي، فكيف يبرم عدله ولا ينال للمظلوم من ظالمه، وإنما يحكم بالعدل ويأمر ضمير الظالم أن يجزي صاحبه وأن يردعه، بل لعل المظلوم لا يشكو، وإنما ظالمهم هو الذي يشكو أن ضميره يخزه ويشتد عليه مذ ظلم، فيادعي القوم اكفني عذاب الضمير فإنه ليوشك أن يكون كالموت لا يُعتِبُ. . . هذا قاض أمره عجيب، وقضاؤه أعجب، أتراه يمضي على شرعة مدونة؟ أتراه يستلهم قانوناً بعينه ماله عنه من محيد؟ كلا، وإنما يستلهم قوة روحه، وقد استُمِدت من معالم الشيعة وأعلام كتبهم
يعدل الداعي بقوة الروح، ومن مظاهرها أنها تسترقُّ الناس حولها، مرتغبين لا مرتهبين، بدافع الحب، ومظهر الحب الخضوع، يسمو حتى يصير تفانياً. تتجه القلوب إلى الداعي، لأنه عظيم من عظمة الله عظمته؛ ثم تتعلق القلوب به، لأنه مقدس من قدسية الله قدسيته، ثم تتقبل ظلمه قبول الرضا، لأنه ولي المالك المتصرف - في رأيها - فإذا عدل، تفانت فيه، فإذا أحب فنيت في روحه، وذاك داعي الدعاة عند طائفة البهرا هو فرد ولكنه الجماعة كلها، وهم جماعة ولكنهم فرد واحد يقل ويقل حتى تتسع له سويداء قلب واحد كبير، هو قلب هذا الرجل، يحدب عليهم وما يحدب إلا على نفسه، ويحدبون عليه فهم على أنفسهم يحدبون. ولقد علمت أن الحب شريعتهم، فأعلم أن أول أحكام هذه الشريعة أن ما يحوزه كل بهري هو للشيخ قبل أن يكون لصاحبه، يتصرف فيه متى شاء أينما شاء كيفما شاء، وما جار. أليس رب الدعوة إلى التعاون والتساند والتعاضد وهي التي أثمرت كل ما أوتيت الطائفة من مال أو أكثره؟ نعم فلكم أغنت هذه المبادئ عائلاً، وأعزت يتيماً، وروّت صادياً! وهل يكون ساقي البذرة إلا رب ثمارها. . . وفيم ينفق الأمين العادل المحب ماله إلا على الأمانة والعدل والحب؟ إنه ليأخذها صاعاً فيردها بأمانته وعدله وحبه عشرة
على أن الشيخ لا يَهْنِئُه طعامه إلا إذا كان من كد يمينه؛ ولهذا يشتغل بالتجارة، ولأمر آخر