هو القدوة، ويربي تجارته كأي من أبناء طائفته، ولا ينسى حادث ذلك الشيخ الذي عاش في المدينة على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان لا ينقطع عن العبادة في ليله أو نهاره، إلا ريثما يتأهب لرجع ما انقطع، وإنه لراقد بالعراء لا يحمل لدنياه هماً، وإن حمل لأخرته هموماً، يخف الناس إلى تزويده بالطعام سراعاً وهم يغبطونه على تزوده للآخرة، حتى مر النبي به في بعض غدواته، فدنا ممن أحاطوا به، وسألهم ما خطبكم حتى تكأكأوا على هذا الشيخ، قالوا: رجل صالح يا رسول الله، نهاره وليله صيام وقيام، فعجب النبي عليه الصلاة والسلام! وأسرع يسأل، ومن يقوم بطعامه؟. من يقوم بطعامه؟! رسول الله يسأل؟ فيا فخرنا عند رسول الله إن كنا نطعم الشيخ الصالح، ويا حظنا من رضا رسول الله إن علم أننا نؤثره على أنفسنا بالطعام. . . لم يكد النبي يسأل، ومن يقوم بطعامه؟ حتى تسابقت أصوات كثيرة تقول، ترجو ثواب الله. . . كلنا نطعمه يا رسول الله، وأحاطت أبصارهم بوجه النبي ترصد ابتسامة الرضا، فإذا بالوجه المشرق الكريم يعبس، ويضطرب، ثم تجتمع في غضبته حكمة الأبد من قوله:(كلكم خير منه). داعي الدعاة الشيخ المسن لا ينسى هذا الحديث، وإن قومه ليقدسونه، وتطيب نفوسهم له بكل ما يملكون، ويبلغ من تقديسهم شخصه أن يستكبروا على الأرض أن تمسها قدماه، فيحملونه إذا أراد الانتقال من حجرة من قصره إلى أخرى، وهو على رغم ذلك كله حريص على أن يغدو إلى متجره كل يوم، فيقضي بعض نهاره عاملاً لدنياه، كأنه على شيخوخته وضعفه، يعيش أبدا
إن الدين لله، فما يحفظ رجل الدين عليه حرمته، إذا وزن الدعوة إليه بالدرهم والدينار، إنما يسمو رجل الدين، وتخلص روحه، وتصقل نفسه فلا تمسها شائبة من أكدار الدنيا، إن يلتمس على جهده مثوبة الله وحده، مزدرياً للوظيفة تجري عليه فتذكره كلما أوشك أن ينسى، بأن دعوته رهن بوظيفته، ووظيفته رهن بدعوته. . . . فهل نوجب على رجل الدين أن يكون زاهداً؟ كلا بل نريده مع ذلك مكفول الرزق موفوره، بادي النعمة واليسار، عالي الكف يعطي ويتعفف أن يأخذ، وكيف السبيل؟
سبيل واحد يسلكه داعي الدعاة البهري، وعماله في مختلف البلاد، وقد سلكه من قبله أشرف البشر وسيد سادتهم محمد عليه الصلاة والسلام، إذ كان تاجراً؛ وفي التجارة وهي أم