فلما قامت (النهضة التركية الأخيرة) تهللنا بشراً وقلنا لا بد أن القوم لن يقنعوا بما وصلت إليه موسيقاهم من تقدم ونجاح، وسيدأبون على البلوغ بها إلى أوج المجد والعظمة. . ولكن أحلامنا اللذيذة لم تلبث طويلاً عندما فوجئنا بقرارات الكماليين القاسية التي منها: استعمال الحروف اللاتينية بدل العربية، وهجر ألفاظ لغة الضاد، والترحيب بالمصطلحات اللاتينية و. . . وأخيراً. . عدم استعمال الأرباع الشرقية، وإلغاء الموسيقى التركية وإحلال الغربية محلها. .!
نزلت علينا تلك القرارات نزول الصاعقة وهدمت ما كنا نبنيه من آمال. . وظهر لنا ما يضمره الكماليون من إسراف في هجر الشرق والشرقيين، ومن رغبة في الفناء في الغرب والغربيين. .!
تتأثر موسيقى كل أمة - كما يتأثر أي فن - بعوامل شتى: منها الجو والأخلاق والعادات وغير ذلك. فليس من السهل أن نبدل بقرار ذوق أمة في غمضة عين، لأنها لم تكتسب هذا الذوق إلا بمرور الزمن وبفعل مؤثرات البيئة التي تعيش فيها. فقرار التركي الأب (أتاتورك) إلغاء الموسيقى التركية لا محالة خاطئ لأنه يجبر الأتراك على موسيقى لم يتذوقوها ولن يتأثروا بها مطلقاً. . فإذا سمع التركي مثلاً قطعة حماسية غربية فلن تهز مشاعره بقدر ما تفعل فيها قطعة تركية، لأن الأولى لم تصل إلى طريقة استفزاز شعور التركي، ولم تصدق في التعبير عن نفسيته، بعكس الثانية؛ وإذا كان الألماني مثلاً لا يتأثر بموسيقى الفرنسي أو الروسي كما تؤثر موسيقاه، فكيف بالتركي، والفرق شاسع جداً بين تقارب أمزجة هؤلاء وبُعد هذا الأخير عنهما. .!
كان الأجدر لو أريد قتل الموسيقى التركية أن تشجع الموسيقى الغربية ويشجع الاقتباس منها والتطعيم بها؛ فعلى مر الزمان تزول تلك الموسيقى التي لا نصير لها، بدل هذا التصرف الذي استعملت فيه الطفرة. ولكن من يجرؤ منهم على إعلان هذا الرأي يكون نصيبه شراً مما نال الأستاذ المدرس بالجامعة في المؤتمر اللغوي، وحسين جاهد، وقد أشار إليهما حضرة الدكتور عزام في إحدى مقالاته القيمة. .!
من هذا نلاحظ أن الديوان الموسيقي الغربي مكون من أصوات كاملة وأنصافها؛ بينما الديوان الشرقي يتكون من أصوات كاملة وأنصافها وأرباعها أيضاً. . ولكنهم مع ذلك آثروا