للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دخلت اللغة في هذا الأسلوب الممتع الذي نقرؤه اليوم للمنشئين والمؤلفين؛ ونرجو أن تعود به اللغة إلى رونقها السالف من الرشاقة والجزالة، على نحو ما كانت على عهد سهل بن هرون والجاحظ وعمرو بن مسعدة وأحمد بن يوسف الكاتب وابن المقفع وإضرابهم. وما أظنك تنكر عليّ أن رصف أبي حيان التوحيدي في القرن الرابع، وابن خلدون في القرن التاسع، أرفع وأمتع من تعسف الصابي والصاحب بن عباد وأبي بكر الخوارزمي والقاضي الفاضل والعماد الكاتب وابن الأثير إلى آخر أعيان ذاك المذهب المتكلف.

وأظنك موافقي أن في قولك: (وإن كان يجب حذفه (السجع) من هذه اللغة من أجل كونه في طريقة قديمة، ومن أجل أنه عبارة عن زينة كلامية، فإن هذا يؤدي بنا إلى اقتراح حذف الشعر أيضاً) - إن في قولك هذا مغالطة لطيفة، وفي علمك أكرمك الله أن النثر غير الشعر، والكراهة آتية من التزيد والتكلف

لو كنت على مقربة منك ما تركتك تقول في مقدمة الديوان الذي نشرته بأخَرةٍ ودعوته: (روض الشقيق، في الجزل الرقيق) ما قلته في فاتحته: (. . . الذي لا أجد لشعره وصفاً أو في من عرضه على الأنظار، ولا لديوانه حلية أجمل من نشره في الأقطار؛ وخير وصف الحسناء جلاؤها؛ والجواد عينه تُغني عن الفُرار. ولعمري لو وصفته بأزهار الربيع، وأنواع البديع، وشققت في تحليته أصناف الأساجيع، وكان هو في الواقع دون ما أصف لما أغنيته فتيلاً، ولا رفعته عن درجته كثيراً ولا قليلاً؛ كما أني لو قدمته للقراء فريدة معطالاً، لا يرن له حجل ولا سوار، ولا يتلألأ عليه ياقوت ولا نضار، وكان هو في نفسه دراً نظماً، وأمراً عظيماً، وديواناً تتأرج أرجاؤه ندّاً ولطيماً، لما خفي أمره على ذوي الوجدان، ولا تعامى عن سبقه أحد ممن له عينان. .) ولو كنت مكانك لقلت وما باليت: (. . . الذي لا أجد لشعره وصفاً أوفى من عرضه على الأنظار؛ ولو وصفته بأزهار الربيع، وكان هو في الواقع دون ما أصف لما أغنيته فتيلاً؛ ولو قدمته للقراء فريدة معطالاً، وكان هو في نفسه دراً نظيماً، لما خفي أمره. .)

أليس هذا الإيجاز أوقع في النفس، وأجمل في أداء المعنى، وأدعى إلى الأفهام من أسجاع تثقل على الطباع؟ ونحن إنما نكتب لنُفهم، لا لنُعجم ونُبهم. وبعد فمالنا وللتقيد بما قاله بعض المتأخرين في معنى التعلق بأهداب السجع، ولدينا في أقوال المتقدمين والمأثور من

<<  <  ج:
ص:  >  >>