للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحقيقي هو الجمال المعنوي، لا الجمال الصوري، الذي هو جمال زائل؛ فالجمال المعنوي هو الذي ورد به الحديث الشريف: إن الله جميل ويحب الجمال. وعلى هذا يمكنني أن أقول إنه لم يُعط أحد شطر الجمال المعنوي الذي يحبه الله تعالى، ويشغف به عباد الله تعالى، بدرجة المرحوم الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي، الذي كان في هذه الحقبة الأخيرة جمال دمشق، وجمال القطر الشامي بأسره، في غزارة فضله، وسعة علمه، وشفوف حسه، وزكاء نفسه، وكرم أخلاقه، وشرف منازعه، وجمعه بين الشمائل الباهية، والمعارف المتناهية، بحيث أن كل من كان يدخل دمشق، ويتعرف إلى ذاك الحبر الفاضل، والجهبذ الكامل، كان يرى أنه لم يكن فيها إلا تلك الذات البهية، المتحلية بتلك الشمائل السرية، والعلوم العبقرية؛ لكان ذلك كافياً في إظهار مزيتها على سائر البلاد، واثبات أن أحاديث مجدها موصولة الإسناد. . . الخ)

بأبي أنت وأمي يا شكيب! هل هذا بيانك الذي عرفته وعرفه فيك قومك؟ أنا لا أطلب غير حكمك، فلا أحتكم إلا إليك. أهذا كلام ترضاه لنفسك في كتاب يبقى؟ وما هذا القلق في المعاني والمباني؟ ربما أغتفر صدور مثل هذا الصدر من فتى يشدو في الأدب، ولكن من شيخ كتاب العرب لا ثم لا! وحديث السجع أنت عرفت رأيي فيه، ولعلك تذكر أني كنت لفت نظرك إلى ما أسميت به كتاب رحلتك إلى الحجاز: (الارتسامات اللطاف، في خاطر الحاج إلى أسمى مطاف) وقلت لك يومئذ إن القارئ مهما بلغ من ثقوب ذهنه لا يدرك لأول وهلة معنى هذا العنوان المسجوع، إلا بكثير من إجهاد الفكر؛ وهكذا كدت باستحسانك السجع في بعض المقامات والغلو في تقريظ من ترى تقريظه، أن تنسينا حسناتك علينا في كلامك المرسل الكثير، وأنا على ما تعلم من أحرص الناس على تخليده وتأبيده

بحقك، هل رأيت لأحد من بلغاء القرون الأولى سجعاً في شيء من أسماء كتبهم؟ وهذا الجاحظ وابن المقفع، وهذه أسماء كتبهما ورسائلهما، هل وجدت لهما سجعاً تتقزَّز منه كصاحبك أبي إسحاق الصابي الذي أفسد اللغة على علو مكانته في الأدب بما سجع ورصع؟ وأظنك موافقي على رأيي في أن التسجيع أضعف ملكات المؤلفين من عهد ابن العميد إلى زمن أستاذنا الإمام الشيخ محمد عبده الذي قضى بقوة حكومته على استعمال السجع في الصحف والرسائل الرسمية، فعدّ عمله هذا أكبر حسنة منحسانته؛ ولولا عمله ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>