للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ركب هائل تفيض الرواية المعاصرة في وصف ضخامته وروعته، فوصل إلى الإسكندرية من طريق برقة، في ٢٤ شعبان سنة ٣٦٢؛ وهرع وفد من أكابر المصريين للقائه وتحيته عند المنارة، فقال لهم (إنه لم يسر إلى مصر لازدياد في الملك أو المال، وإنما سار رغبة في الجهاد ونصرة المسلمين وإقامة الحق والسنة). ودخل المعز القاهرة، عاصمته الجديدة في أوائل رمضان، ولما وصل إلى قصره خر ساجداً في مجلسه شكراً لله، ثم صلى ركعتين، وصلى بصلاته كل من دخل؛ وسطعت في الحال آيات من عظمة الملك الجديد

وبذا استقرت الخلافة الفاطمية في مصر، وبدأت زعامتها الدينية في المشرق؛ وكانت الإمامة الدينية أخص الصفات التي تبدو بها الخلافة الجديدة، وكان المعز لدين اله يحرص جد الحرص على صفة الإمامة ورسومها؛ بيد أن الفاطميين قدموا إلى مصر يحيط بنسبتهم وإمامتهم نفس الريب الذي أحاط بهما منذ قيام دولتهم في المغرب؛ وقد أثيرت هذه المسألة عند مقدم المعز إذ اجتمع به جماعة من الأشراف العلويين الذين ينتسبون إلى علي وفاطمة، فسأله الشريف عبد الله بن طباطبا عن نسبه، فأجابه المعز أنه سيعقد مجلساً ويتلو عليهم نسبه. ثم عقد المعز مجلسه بالقصر ودعا إليه الكبراء، وسل نصف سيفه من غمده وقال لهم هذا نسبي؛ ونثر عليهم ذهباً كثيراً، وقال هذا حسبي؛ فقالوا جميعاً سمعنا وأطعنا!، وفي ذلك ما يدل على اعتداد الدولة الجديدة بقوتها وجاهها، قبل اعتمادها على إمامتها وهيبة انتسابها لآل البيت، وإن كانت قد اتخذت الإمامة شعارها لدى الكافة منذ الساعة الأولى، وأقامت ملكها السياسي على أسس دعوتها الدينية

وكان عهد المعز بمصر عهد توطيد ودفاع عن الملك الفتي. وكان خطر القرامطة لا يزال جاثماً في الأفق ينذر دولة الفاطميين الجديدة بالمحو والفناء. ولم يمض بعيد حتى غزا القرامطة دمشق وانتزعوها من يد حاكمها الفاطمي. ثم زحفوا على مصر بقيادة الحسن الأعصم كرة أخرى، فلقيتهم جيوش المعز على مقربة من بلبيس في أواخر سنة ٣٦٣هـ وأوقعت بهم هزيمة فادحة. بيد أنها لم تكن خاتمة النضال؛ فقد لبث المعز حتى وفاته في معارك مستمرة في الشأم مع القرامطة والروم؛ بيد أنه أتيح له قبيل وفاته أن يشهد ظفره؛ ولم يغادر هذه الحياة، (في ربيع الثاني سنة ٣٦٥) حتى كانت الخلافة الفاطمية تبسط سلطانها وإمامتها على المغرب ومصر والشأم والحرمين

<<  <  ج:
ص:  >  >>