للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على أن جوهراً اضطر مع ذلك إلى خوض بعض المعارك قبل أن يفتتح مصر. ذلك أن فلول الأخشيدية والكافورية ومن والاهم من الجند لم يقبلوا الأمان وآثروا أن يقوموا بمحاولة أخيرة للدفاع عن سلطانهم الذاهب؛ فاختاروا لهم أميراً، واحتشدوا لقتال جوهر بالجيزة؛ ولما وصل الجيش الفاطمي إلى الجيزة ألفى القوى الخصيمة تتهيأ لرده عن عبور النيل، فدفع جوهر بعض قواته فاجتازت النيل خوضاً، ونشب القتال بين الفريقين، فانهزم الأخشيدية بعد أن قتل منهم عدد كبير، ولاذوا بالفرار وتم الفتح الفاطمي لمصر (منتصف شعبان سنة ٣٥٨)

واستجاب جوهر إلى رغبة المصريين كرة أخرى، فجدد لهم الأمان؛ وذهب الوزير ابن الفرات، والشريف أبو جعفر إلى لقائه على رأس العلماء والكبراء؛ وسار جوهر في ركبه المظفر إلى عاصمة مصر في عصر يوم الثلاثاء ١٧ شعبان سنة ٣٥٨هـ (٧ يوليه سنة ٩٦٠م) (وعليه ثوب ديباج مثقل، وتحته فرس أصفر)؛ وشق مدينة مصر (الفسطاط) ونزل في المكان الذي غدا فيما بعد مدينة القاهرة، واختط العاصمة الجديدة في نفس الليلة إيذاناً بقيام الدولة الجديدة، وبعث البشرى إلى مولاه المعز بالفتح العظيم، فوصلته في منتصف رمضان، وأنشد ابن هانئ بهذه المناسبة قصيدة مطلعها:

يقول بنو العباس قد فتحت مصر ... فقل لبني العباس قد قضي الأمر

وقد جاوز الإسكندرية جوهر ... تصاحبه البشرى ويقدمه النصر

- ٤ -

وقامت القاهرة عاصمة الدولة الجديدة بسرعة، وأعدت بقصورها ومسجدها (الجامع الأزهر) لتكون منزلاً ملوكياً لبني عبيد وعاصمة للخلافة الفاطمية، وبدأ الحكم الفاطمي بمصر على يد مبعوث الخليفة الفاطمي وقائده جوهر؛ وكان خطر القرامطة الذي أشار إليه جوهر في رسالته لأهل مصر يشتد ويتفاقم، ويهدد مصر بالويل والدمار، وملك الفاطميين بالفناء العاجل. وقد زحف القرامطة على مصر بالفعل في أوائل سنة ٣٦١هـ بقيادة زعيمهم الحسن الأعصم، ونشبت بينهم وبين الجيوش الفاطمية بقيادة جوهر، معارك هائلة في ظاهر الخندق (على مقربة من القاهرة) انتهت بهزيمتهم وارتدادهم نحو الشام. ولما رأى المعز أن ملكه الجديد قد توطد بمصر، سار من أفريقية إلى مصر بأهله وأمواله في

<<  <  ج:
ص:  >  >>