ولا عجبَ أن يكونَ شيخُنا لغوياً، فإنه لا يكادُ يوجد محّدِث إلا وهو لُغَوي، ولا لُغَوي إلا وهو محدّث؛ لأن المحّدِث لا يمكنه أن يفهم معانيَ أحاديثِ الرسول إلا بعد فهمِ معنى كلماتها اللغوية، واللغويُّ لا ترسخُ قدمه في اللغة ما لم يستظهر الجمَّ الكثيرَ من أحاديث الرسول، تكون له عُدّةً في الاستشهاد بها حين الحاجة فاللغويُّ المتقنُ محّدِث، والمحدث المتقنُ لُغوي
وشيخنا الذي يحفظُ على أقل تقدير خمسة آلاف حديث يحفظ على أقل تقدير ألف كلمة لغوية بشواهدها من كلام النُّبوة
فأنتم ترون أن بين شيخنا البدر، وبين مجمعنا العلمي العربي نسبةً موصولة السببْ في خدمة لغة العرب
هو (رحمه الله) كان ينشر اللغة العربية بواسطة دروسه المشهورة، ونحن ننشرها بوسائطنا المجمعية المعروفة
أذكرُ أنه زارني يوماً في دار المجمع العلمي، فأجلستُه في صحن المدرسة، خشية أن يرى في ردهتها صُوَرَ المتوفين من أعضاء المجمع، معلَّقةً على جدرانها، فيمتنعَ عن الدخول كما هي عادته
وبعد أن استقرَّ به المجلس سألني: وماذا تصنعون هنا؟
قلت: إننا يا مولانا نشتغلُ في خدمة اللغة العربية ونشرِها وفي ذلك خدمة للدين الإسلامي ونشرِه
وإذا أحد تلاميذه (اللطفاء) يَلمَسُ كتفه من ورائه، ويشير إلى التماثيل الحجرية المنصوبة في أحد أركان المدرسة، فقال لي الشيخ: وما هذه التماثيل؟ وأشار إليها بإصبعه
فشعرتُ إذ ذاك بخطورة الموقف، وبصعوبة الاعتذار عن وجودِ تماثيلَ في صحنِ مدرسةٍ دينية إسلامية؛ غير أن الله ألهمني جواباً تضَّمن حقيقة معقولة، لكنها ويا للأسف منسيةٌ مجهولة
فقلت: إن هذه التماثيل تجْمعُ في دوْر الآثار للاستدلال بها على تاريخ الجاهلية الأولى، ويدخل في ذلك عبادة تلك الأمم للتماثيل، وإرسال الرسل لإنقاذهم من تلك العبادة، كما كان