للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صديقُكَ مَنْ إذا ما كنت منه ... طلبتَ الروحَ بالتمليكِ ملّك

وجاء يوماً ذكرُ طرابلس الشام وليمونها فسألني: ما معنى قولهم في المثلَ (مَنْ لم يجئ بشراب الليمون يجئ بشوكِهِ وحَطَبه) فتجاهلتُ الجواب لأسمع من فمه ولو مرةً تفسيرَ النصوص الأدبية - كما سمعتُ منه مراراً تفسير النصُوص الدينية

ففسره لي قائلاً:

المرادُ بشوكه وحَطَبه قُضبانُه وعيدانه. والمعنى من لم يجئ باللين واللطفْ، يجئ بالشدّة والعُنف

وأنشدني يوماً قولَ الراجز:

(التمرُ والسَمْنُ جميعاً والأقِط ... الحيْسُ إلاَّ أنه لم يختلط)

فاعترضتُ بأن الحيسَ هو حلوى للعرب تكون مختلطةً من التمر والسمن والأقِط الذي هو ضربٌ من الجبن فكيفَ يقولُ الشاعر (لم يختلطْ). ثم قلتُ للشيخ لعلَّ صحةَ الروايةِ في البيت هكذا: (لكنْ شرطهُ أن يختلط). ثم راجعت كُتُبَ اللغة فوجدتُ رواية البيت كما قال شيخنا رحمه الله ورأيتُ علماءَ اللغة استشكلوا البيتَ كما استشكلته أنا. وأجاب بعضهم على هذا الإشكال بجوابِ لم يعجبني

ومن عادة شيخنا رحمه الله أنه إذا طَلبَ منه أحدٌ إجازةً بالعلوم تمنَّعَ وتَمثَّل بقول القائل

(ولستُ بأهلٍ أن أُجازَ فكيفَ أنْ ... أُجيزَ ولكنَّ الحقائق قدْ تخفى)

وأنقُلُ من مذكّراتِ شاعرنا (خليل بك مردم) - وكان رفيقي في درس صحيح مسلم - هذا الخبرَ الذي يتعلَّقُ بي، وقد أنسيته أنا وهو: أَنني قرأتُ يوماً على الشيخ عدةَ أحاديثَ يدلُّ ظاهرها على عَدَم إيمان أبي طالب. فأطبقتُ الكتابَ بين يَدَيَّ وسألت شيخنا عن حقيقة ذلك وأبيت إلا كلمةَ صريحةَ منه يطمئنُّ إليها القلبُ في إيمان عمَ النبي صلى الله عليه وسلم. فامتعضَ الشيخُ من إلحاحي، وقالَ سبحانَ الله يا شيخ عبد القادر أنت كاتبٌ وأديب، أما سمعتَ ما قاله (أبو طالب) مخاطباً النبيَّ صلى الله عليه وسلم

ودعوتني وزعمتَ أنك ناصحٌ ... ولقد صدقتَ وكنتَ ثمَّ أميناً

فأنتَ تسمعُ أبا طالبٍ يقولُ لابن أخيه (ولَقَدْ صَدقت) ثم تستشكل؟

فسررت يعلم الله بجواب شيخنا كما سرني استظهاره للشعر القديم واستحضاره له حين

<<  <  ج:
ص:  >  >>