فهل يجوز لنا استعمالُ هذه العلامات المستحدثة في كتاباتنا كما استعمل السلف الصالح ما أحدثوه من النقط والتشكيل؟
قال الشيخ: يجوز، قلتُ ونستعملها في كتب الحديث؟ قال يجوز، قلت وفي القرآن. قال يجوز
ثم سألني قائلاً: ولكن لماذا لم نُرْقم هذه العلامات في كتابِ مسلمٍ المطبوع الذي نقرؤه؟ قلتُ لأنه كتابٌ دينيٌ. وطابعوه يخشون إنكار بعض العلماء عليهم فلا يباع الكتاب، فلم يضعوا هذه العلامات، واجتهدتُ أن لا أسميها له بأسمائها الإفرنجية مثل فلحظ الشيخُ أن في الأمر سراً، فتبسم وضرب على كتفي وقال:(الله يصلحك) ولم يُردْ أن يُفتي بشيءٍ جديدٍ قد يمكن أن تكون فيه شائبة بدعة
إلى هذا الحد كان شيخُنا رضي الله عنه يحرص على سلامة الدين ويحذَر أن يَتسرَّب إليه شيءٌ من البدع
ومن ذلك أيضاً أنه مرَّ معنا في الحديث نهيُ النبي صلى الله عليه وسلم عن تشييدِ المساجد، وفسر ابنُ عباسِ التشييد بالزخرفة، فقال بعض الإخوان: المراد بالتشييد رفع بناء المساجد. فقلتُ بل الصحيحُ ما قاله ابنُ عباس من أن التشييد هو الزخرفة وهو مشتقُّ من (الشيد) الذي معناه الجصّ، والجصّ عادة تزخرف به الأبنية. أما رفع بناءِ المساجد فأمرٌ مستحبٌ في عمارتها، وذلك لكي يتخلّلها الهواء ويَسْهُل التنفّسُ على المصلين، فالتفتَ إليَّ الشيخُ وقال مبتسماً: وما دخل الهواءِ والتنفس في الدين والتشريع؟ وعجبَ من قولي أشدَّ العجب
أما أن الشيخَ كان متوسعاً في اللغة العربية؛ فهذا يلحظُه منه كلُّ من أطالَ مجالسته، وراجعه القولُ في تفسيرِ غريبِ الحديث؛ ولكنه رحمه الله ما كان يُكثر من الاستشهاد بنصوص الأدباء، ولا بأقوالِ الشعراء، لما يقعُ فيها أحياناً من اللغوِ وعَبَثِ القول
وقد سمعتهُ مرةً يُنشد بنغمة حزينةٍ:
(أيا نجدُ لو كان النوى منك مرةً ... صَبَرنا ولكنَّ النوى منكَ دائم)
وأنشدني مرةً أُخرى:
صديقُ الصدقِ في الدنيا قليل ... فمنْ لكَ إنْ ظَفِرتَ به فمن لك
لحاجتهِ يَوَدُّكَ كلُ شخصٍ ... وذاكَ إذا قضاها منك ملك