للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومهما يكن الداعي إلى طلبه الخلافة، فإنه كان كفؤاً لها، وقد واتتْه الفرصة، التي لبث يترقبها زَمناً، بموت يزيد وابنه معاوية الثاني، ولم يبق في السفيانية من يقوى كاهله للقيام بأعباء الخلافة؛ وحينئذ نرى عبد الله يُهمّ بالعمل الجريء، فهو رجل الساعة، والظروف المهيَّأة تنتظر منه الوثوب والظهور، وقد كان ذلك؛ إذ دعا لنفسه على منبر الحجاز سنة ٦٤هـ، ولم تلبث الدعوة الجديدة أن سرت في أنحاء العالم الإسلامي؛ فخطب له على كافة المنابر (بالعراق وخراسان والحجاز والشام) سوى بعض جهات بالشام كان هواها ما يزال أموياً

وهنا تقوم عقبة شاقة أمام الخليفة الجديد! فأهل الشام الذين لم يبايعوا قد أخذتهم نعرة العصبية لبلدهم، فيمشي بعضهم إلى بعض، وفيهم الرؤساء والقواد يتشاورون ويقلّبون الأمر على كافة وجوهه، حتى لا يُفلتَ الملك من أيديهم، ولا يخرج السلطان من بلدهم؛ ثم يسفر اجتماعهم وتشاورهم على أن يبايعوا لمرْوان، وإن لم يكن سفيانياً فإنه أموي؛ وهو بعدُ أرشد القوم وأحزمهم وخير من يسند إليه هذا المنصب من أهل هذا البيت، في مثل تيك الظروف؛ ولكن الضحاك بن قيس ومعه جنده يعارض هذه البيعة بشدة، يريد أن يتم الأمر لابن الزبير، فتقع الحرب بين الفريقين بالشام، وتلوح بشائر النصر للضحاك، فيعمد مروان الداهية إلى الحيلة (كما فعل معاوية مع علي سابقاً) ويطلب الهدنة، ثم ينقض بجنده على جيش عدوه بغتة، فيشتتهم، ويقتل قائدهم الضحاك (بمرج راهط). وبهذه الهزيمة تنطفئ دعوة ابن الزبير بالشام، وتقوم الراية المرْوانية تخفق في ربوعه

ولو أن الضحاك ساعده الحظ وانتصر في مرج راهط لتغير أمر الخلافة، ولمحيَت الدولة الأموية في أول عهدها، وانقلبت سلسلة التاريخ الإسلامي، فرويت على غير وجهها الذي ترُوى عليه اليوم

بعد هذه الموقعة أضحى للمسلمين خليفتان؛ أحدُهما بالحجاز، والثاني بدمشق، ولكن مروان تعاجله المنيةُ بعد قليل، فيلي الأمر من بعده ابنه عبد الملك سنة ٦٥هـ. وكان عبد الملك حازماً وفيه صرامة، وله عزيمةٌ ورأي سديد، ولكنه مع هذا كله نراه يتهيب ابن الزبير؛ لما ثبت له في قلوب الناس من المكانة، ولأن كثرة الأقطار الإسلامية تؤيده. فكَّر عبد الملك في الأمر طويلاً، ثم طفق يُعد لحرب عدَّتها، فأخذ يحشد الجنود، ويعرضها بنفسه، وصمم أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>