يقود جيشه الكبير إلى البصرة - وكانت لعبد الله مركز قوته، كما كانت الحجاز موطن دعوته - فلاقى بها أخاه مصعباً، ودارت بينهما رحا الحرب، فقُتل مصعب، وهُزم جنده، واستولى عبد الملك على العراق حصن الدعوة الزبيرية. وفي الحق أن عبد الملك ما قتل مصعباً، وإنما أرداه وهزم جيشه حرص أخيه على الدنيا، حرصاً نفر منه القلوب، فأسلمه أهل البصرة: وفروا إلى صفوف العدو، فقلّ ناصره، وراح ضحية التقتير وسوء التدبير
لم يبق بعد هذا إلا أن يلتقي القرنان ويتصادم الجيشان بالحجاز. فلندع عبد الملك ينظم أمر العراق الذي دخل في حوزته بعد النصر، ولنترك له فرصة يجهز فيها جيشاً آخر، تحت إمرة قائده الجبار الحجاج بن يوسف الثقفي، ليلقى به عبد الله في الحجاز. لندع كل هذا جانباً، لنشاهد موقف بني هاشم من خلافة ابن الزبير، وما صنع هو معهم بالحجاز!
كان ابن عباس وابن الحنفية وغيرهما يعلمون من قبلُ طموح عبد الله إلى الخلافة، وينكرون عليه في أنفسهم، بل كانوا يستكثرون عليه ذلك، ويرون أنه ليس أحق منهم بالأمر (وإن كان أحقّ من مروان وابنه) وكانوا يرون أن الذي يدفعه إلى هذا إنما هو الجشعُ والحرصُ على المظاهر الدنيوية (وقد ذكرنا حكاية البغلات الشهب عن ابن عمر وابن عباس) - لذلك لم يبايعوه، فحنق عليهم، وضيق خناقهم، حتى إنه فكر في الخلاص منهم، فحبسهم في شعب عارم، وجمع حولهم حطباً كثيراً، وهددهم بالإحراق، وكاد يقضي عليهم؛ ويقال إنه ما فعل هذا إلا خوفاً من تفوق الكلمة، واختلاف الناس، كما فعل عمر مع عليّ لما تأخر عن مبايعة أبي بكر، فقد هدده كثيراً
ولقد لجأ ابن الزبير إلى النفي عقاباً لمن تخلف عن بيعته، فأخرج محمد بن الحنفية من مكة والمدينة، ونفى ابن عباس إلى الطائف، وبهذا العمل العدائي مع بني هاشم، واضطهاده لهم، ضم سبباً جديداً قوياً إلى أسباب خذلانه، ولإفلات الأمر من يده، فكان بذلك مجانباً الحزم والسياسة الرشيدة
ويسير الحجاج ذلك القائد العنيد إلى الحجاز، فيستولي بعد مناوشات قليلة على جبل أبي قبيس الذي يطل على مكة ثم يحاصر البلد الحرام، فتتعطل مشاعر الحج، حتى إنه هو وجنوده وقفوا بعرفات ولم يطوفوا بالبيت ذلك العام، وطاف عبد الله ومن معه بالبيت ولم يقفوا بعرفات؛ وطال الحصار حتى سئم أهل مكة؛ ويقول الطبري إن الحجاج حصره