صفوف الآلهة أنفسهم. . . . . . بيد أنها ما كانت لتزداد إلا شماساً وعناداً
ولما ضاق أبوللو بها ذرعاً، صب جام غضبه عليها، وسلَّط عليها سخرية سامعيها، فما تقول شيئاً، ولا تتنّبأ بشيء، ولا تكشف غيباً، إلا استهزأ بها الناس، وعيروها بأنها تكذب وتهرف وتدعي!. . .
فلما شاهدت ما كان من فورة الإحساس التي تجرف قلب أمها من أجل باريس، ذكرت لها أن هذا الشاب إن هو إلا أخوها الذي نبذوه بالعراء فوق الجبل لتأكله السباع، وآيتها على ذلك هذا التشابه بينه وبين أخيها هكتور وبينه وبين أبيها الملك. وحاجها قومها فأحضروا باريس ليطابقوا بينه وبين هكتور. . . ولكن ما كادت المطابقة تتم حتى أخذته هكيوبا في حضنها الحنون المرتجف، صائحة مستعبرة:(ولدي باريس. . ابني باريس. . . ولدي. . . إليّ يا بني. . .!!). أما الملك فقد بكى هو الآخر، ونهض فعانق ابنه عناقاً طويلاً حاراً، غاسلاً جبينه المتلألئ المشرق بدموع الاعتذار عن الماضي البعيد المحزن
ولما أخبرهم باريس أن فينوس، ربة الحب والحسن، هي التي هدته إلى مولده ومنشئه وكريم أرومته، خر الملك وأهله لها ساجدين. . . إلا كاسندرا
لقد عبست عبوسةً قاتمة، وحدجت أخاها الغريب بنظرةٍ كالحةٍ!! ثم صاحت بالملك:(أبي! لتحذر هذا الأخ. . . لتحذر باريس. . . ولتذكر نبوءة الكهنة في معبد أبوللو. . . . . . ابنك يجر الخراب على مملكتك، ويعرض شعبك للدمار، وينشر الموت في بيوت رعاياك!!)
وهنا ينتقم أبوللو، ويسخر من حبيبته الجافية!
لقد تضاحك الملك مستهزئاً، وغمزت الملكة ابنتها ولمزتها بكلام قارص. . . أما هكتور، فقد عبث بأخته ومازحها مزاحاً ثقيلاً. . .
مسكينة كاسندرا!
حتى الحاشية استهزأت بها وأشعرتها المذلة والهوان. . .!
كل ذلك والرعاة. . . أصدقاء باريس. . . ينظرون ويعجبون. . . ولا يفهمون!!