وطمأنهم باريس، وزوّق لهم الأحلام والأماني، ووعدهم خيراً (لا ترى مثله عين، ولا يخطر على قلب بشر)
ودخلوا المدينة. . .
ويمموا ميدانها الرحب الفسيح، حيث اجتمع خلق كثير يشهدون المهرجان الرياضي، ويمتعون أنظارهم بشتى الألعاب التي يمارسها أبطال طروادة وما جاورها من القرى. ولبث باريس وأصحابه ينظرون إلى المتبارين ساعة، ثم زهاههم الروح الرياضي فقدموا أنفسهم إلى الرئيس المشرف على الألعاب، فأشركهم في كثير من المباريات. . .
ولقد برّز باريس على أقرانه، وبذَّ كل من تبارى معهم في مضمار، حتى لفت إليه أعين النظّارة وأصبح موضع إعجاب الحاضرين. . .
وكانت الأسرة الملكية، الملك وزوجه وأبناؤه وحاشيته، يحدّقون في الفتى مشدوهين مأخوذين، وكانت الملكة خاصةً تحس كأن رباطاً روحانياً يجذبها إلى الناحية التي يجول باريس فيها ويصول؛ بل كانت تشعر كأن الحديد الذائب في عضلات البطل، إنما يتدفق من عضلاتها هي! وأعجب من ذلك جميعاً، ذلك الحنان المتفجر في قلبها، وذاك الحب الحزين السادر الذي يغمرها كلَّها من أجل هذا الغريب المفاجئ المجهول!
ولمحت كاسّنْدرا، ابنة الملك، ما كان ينتاب أمها من عواطف، وكانت فتاةً بارعة الحسن، مليحة الدل، فينانةً ريّانة؛ أعجب بها أبوللو فمنحها حبه، وهام بها حتى لكان يعبدها عبادةً، وهو الإله المعبود!
وكان ما يفتأ يباركها ويخلع عليها من نعمه؛ فمن ذلك أنه وهبها القدرة على كشف الغيب، والتنبؤ بما كان وما يكون؛ فكانت تخبر الناس بماضيهم وحاضرهم وما يكون من مستقبلهم وهم يسمعون ويعجبون. . .
ولكنها تاهت على أبوللو ودلّت، وكانت أبداً تمنحه الجفاء والصدود، وتُعرض عنه وهو المقبل عليها بروحه وقلبه وشعره وموسيقاه!
رجاها أبوللو أن تكون له، وأن ترتضيه لها بعلاً، ووعدها لقاء ذلك أن يبني لها القصور الشماء في قبة السماء، وأن يحملها معه أبداً في رحلاته العلوية فترى كل ما يدب على الأرض، وأغراها بالتوسط لدى كبير الآلهة زيوس الأعظم فيمنحها الخلود وربما رفعها إلى