وأنت أيتها الشاء والنَّعم: أفراق لا لقاء بعده؟ وا أسفاه! لم لقيت فينوس؟ عزيز علي أن أهجرك إلى الأبد أيتها البطاح! وأنت أيتها السماء الحبيبة؟ بمَ أستبدل قلائدك الدرية في الليل، وشمسك الدافئة، وسحبك الموشاة بالذهب في النهار؟!. . . . . . . . . . . . . . . . . .)
الآلهة لا تكذب!! هكذا كانت تقول فينوس! أنا إذن ابن ملك! وأبي لا بد أن يكون غِرَّا ضيق العطن، وإلا فلم صدق ما ذكرته له الكهنة عني؟ طفل صغير يُنبذ بالعراء لتأكله السباع! يا لقساوة القلوب، وتحجر الأكباد؟! وأمي؟ أين كانت أمي؟ وأين كان قلب الأم في هذه المرأة؟ كيف سهل عليها أن تدعني يُنطلق بي لأنبذ بالعراء، فريسة لا حول لها لكلاب الجبل، وطعمةً شقية لسباع البرية؟!. . . . . . . . . . . .)
لابد أن أذهب! لابد أن أعلم حقيقة أمري! وداعاً أيها البحر! وداعاً أيتها المروج! يا كل شيء هنا. . . وداعاً!)
وانطلق لا يلوي على شيء. . .
وكان أصدقاؤه الرعاة يلقونه في الطريق فينكرون منه كل شيء! ينكرون منه انقباضه وعهدهم به طلق المُحيّا لا يفارق المرح ثغره البسام، وينكرون منه صمته الطويل وهو الثرثار الذي لا يقف لسانه ولا تسكن شفتاه! وينكرون منه هذه النظرات العميقة الحزينة، وهو ذو العينين الضاحكتين والجبين المشرق الطروب. . .
وكان هو ينكرهم جميعاً كذلك! أليس قد عرف أنه ابن ملك؟ وابن أي ملوك العالم؟ ابن ملك طروادة! وهل أقوى وأعظم في ملوك العالم من ملك طروادة؟
وبرغم هذا الإنكار كان الرعاة ما يبرحون يحبون باريس ويعجبون به، وقد أحزنهم أن ينطلق فريداً وحيداً في فلوات تدمدم فيها السباع وتهمهم الوحوش، فذهبوا يقتصون أثره، وكانوا له حرساً شديداً في وحشة هذه البرية المخوفة. . .
ووصل إلى طروادة. . .
وجلس فوق هضبةٍ مرتفعةٍ قليلاً فنظر إلى المدينة الخالدة!
واجتمع حوله أصدقاءه الأمناء الأوفياء يسألونه فيم جاء إلى هذا البلد، ولم هجر قطعانه وأوطانه، وهل في أمره. . . حب. . .؟