ومن قبل فكر بنك مصر وألف الشركات المختلفة التي يساهم فيها ويشرف عليها وكان لها من التوفيق الحظ الأكبر. وفي هذه الظروف جميعا كانت فكرة الاستقلال الاقتصادي هي الحافز الأول، وكانت العاطفة الوطنية التي تطمح إلى هذا الاستقلال طموحا صادقا هي اكبر عون على الاكتتاب ثم على النجاح.
وكان ممكناً إنشاء مصنع للطرابيش على الطريقة التي أنشئت بها شركة غزل ونسج القطن، وشركة مصايد الأسماك، وكان ممكناً إنشاء مصنع للأصواف بالطريقة ذاتها. لكن مشروع القرش تأثر بالفكرة التي قدمنا فوجهته في سبيل الاستقلال الاقتصادي وجهة جديدة! وجهة تضامن عام في حدود الاقتصاد القومي لا يطبعها الطابع الفردي الذي يطبع الشركات المختلفة التي تصبو أولا وبالذات إلى الربح، بل يطبعها طابع الإيثار من جامعي القرش ومؤلفيه ومنظمي استثماره الإيثار الذي يجعل المرء يحب لغيره ما يحب لنفسه ويعمل لخير غيره بمقدار ما يعمل لخير نفسه، وان كان إيثارا محدودا بالحدود القومية. ولهذا الإيثار القومي عذره وفضله. له عذره في أنه رد فعل طبيعي لثائرة الغرب وحرصه في أن يستأثر بخيرات العالم كله وأرزاقه تاركا للشرق ما يكفي لإقامة حياته كي يجد ويشتغل أجيراً لحساب الغرب الذي يؤيد أثرته هذه بالمدفع والغواصة والطيارة وله فضله في أنه إنهاض قومي لمصر كي تشعر بما تقدر عليه من غير كبير مشقة أو تضحية. وإنهاض يقوم به شبابها فتيات وشبابا لخير الوطن غير ناظرين جزاء ألا أنهم أدوا للوطن خدمة شعروا بأن أداءها واجب عليهم.
والشعور بالتضامن الاقتصادي على الوجه الذي يلقى شباب القرش على الناس درسه مقدمة لحيوية قوية تربط الأمة بروابط التضامن الأكيدة فيما سوى الميدان الاقتصادي من مرافق حياتها. فالرجل الذي يدفع القرش ويلبس طربوشاً
مصرياً بثمن معتدل يشعر بأنه يؤدي خدمة وطنية تعود عليه هو في الوقت نفسه بفائدة سريعة. وهذه إحدى فضائل التضامن في كل شيء. وهذا الشعور يجعل كل مصري يقدر أن كل خدمة يؤديها الإنسان لوطنه وكل قرش يدفعه له يعود عليه وعلى أمثاله بفائدة مضاعفة لما دفع. فكما أن قرشك الذي دفعته في العام الماضي سيجعلك تلبس الطربوش تدفع ثمنه خمسة عشر قرشا بدلا من خمسين كذلك يجب أن تسأل عن كل قرش تدفعه ماذا