يعود عليك أو على الوطن من نفعه؟ فإذا لم يعد بمثل هذه الفائدة المضاعفة فاعلم أن الذين ائتمنوا عليه يغتالونه وأنهم لذلك غير أمناء، وانهم لا يقدرون معنى التضامن القومي وواجبهم إزاءه بل يقدرون فائدتهم الشخصية ناسين فائدة مواطنيهم، ناسين بذلك فائدة الوطن، مضحين بمصالحه في سبيل منافعهم الذاتية، وفي سبيل وصولهم السريع إلى الثروة على حساب غيرهم.
إذا صدقت رسالة مشروع القرش التي قدمنا وكانت بشيرا بتقدير المصريين لمبدأ التضامن ولو في الحدود القومية فقد آن للمصريين أن يستبشروا حقا بمستقبل قريب تتطور فيه النظرة إلى الحياة من مختلف نواحيها تطوراً محسوساً. فنظرية التضامن لا تقف عند الميدان الاقتصادي بل تمتد به إلى ميادين النشاط جميعا، وفي مقدمتها ميدان الإنتاج الفكري والفني. ونظرية التضامن لا يحدها زمن، بل هي تقوم على أساس أن الثروة المادية والثروة المعنوية لأمة من الأمم هما جميعا ثمرة مجهود الأجيال المتعاقبة، وأن لأهل القبور فيها نصيبا اكثر مما لأهل الدور، وأننا جميعا وحدة متماسكة في السعي والعمل بدأت من أول الزمن إن كان للزمن أول وتستمر على الزمن ما بقى الزمن. فإذا وقر الشعور بهذا الرأي في النفوس كان من آثاره أن يحس كل بأنه مدين للمجموع اكثر مما هو دائن له، وان تضامنه مع المجموع في المجهود العائد على المجموع وعليه بالفائدة من خضوعه لسلطان الأنانية الغرور. وهنالك يشعر حقا بان واجباً عليه أن يبني لا أن يهدم، وأن يكون منتجا اكثر منه مستهلكا؛ وأن يعمل لخير غيره عمله لخير نفسه. وهنالك تزول البغضاء من النفوس فتحل محلها المحبة وتتلاشى فكرة التنافس لتقوم مقامها فكرة التعاون ويقضي في النفوس على شهوات الحقد والغيرة والغرور الكاذب لتقوم مقامها فضائل العطف والحنو والتواضع الجميل. وأنت قدير متى صورت هذا التطور كله لنفسك أن تصور الشجاعة الجديدة التي تغمر وادينا الخصب الجميل وان تقدر سعة الخطوات التي تخطو في سبيل الحق والخير والسعادة.
لعل شبان القرش وفتيانه يوافقونني على أن هذه النوازع النفسية الجميلة تجول بخواطرهم مبهمة عند البعض أقل إبهاما عند الآخرين ولعلهم إذا خلوا إلى أنفسهم وفكروا في الأمر يرون أنهم لم يفتحوا عهد مصنع الطرابيش أو مصنع الصوف وكفى، وإنما هم يفتحون