وخفَّ في الأجواءِ عبقُ الشذا ... ونامتِ الأكوانُ إلا القَدَرْ
هبَّا إلى الرقص يُحيَّيهما ... في صفحةِ المشرقِ ضوءُ القمر
من يُنبئ الإلفينِ أن القضا ... مُبدِّلٌ صفوَهما بالكدر؟
تسلَّل الصلُّ إلى جسمِها ... بوخزةٍ من وَخَزاتِ المنونْ
فلم يكن في عمرها فسحةٌ ... فخاطَبتْ محبوبَها بالسكونْ
يا ليلةً ضلَّتْ مسراتُها! ... وما اهتدَتْ إلا عيونُ الشجونْ!
زَفوا عروسَ الموتِ يا ويلتا! ... للموتِ، ما تُغني فتاها الشئون
استنطَقَ القيثارَ لكنما ... قيثارُه المحزونُ لا يُسعدُ
سعى إلى وادي الردى ذاهلاً ... لكي يناجي روحَ من يعبُد
أصغى إليه الموتُ في فترةٍ ... فجاَءه يسألُ ما يقصدُ؟
فقال: والقيثارُ في شجوِه ... لي عندكم محبوبةٌ ترقدُ
يأيها النادي إلى عالمٍ! ... داخلُه المفقودُ لا يرجعٌ
ليس شفيعٌ للذي جاَءنا ... بمهجةٍ محزونةٍ يشفعُ
أجابَ عندي لكَ أغنيةٌ ... أنشدَها قلبي، فهل تسمعُ؟
ثم انبرى يَنفُثُ من حزنهِ ... ما تنهمي حزناً له الأدمعُ
رقت له زوجُ الردى فانثنت ... تستعطفُ الموتَ على من نزلْ
قالت له: عطفاً على هائمٍ ... ليس له من بعدها من أملْ. . .
أرجع إليه من سَبت عقله ... نوَّارةَ الوادي، ونورَ المقل
قد أرعنَ الوادي برناته ... ألم يُلن قلبك هذا الغَزَلْ؟
قال له الموتُ وقد راقُه ... ورق، والقلبُ أسيرُ النغمْ
أُخرج من الوادي، ولا تلتفت! ... إني معيدٌ خلقها من عَدَمْ
فحطَّمَ القيثارَ من بشرِه ... وخفَّ جذلانَ، سريعَ القدمْ
يسبق من تسري بأعراقها الروحُ وتهتزُّ اهتزَازَ النَّسَمْ
مشى وئيداً مرهفاً سمعه ... لعله يُصغِي إلى جرسها
أصغى إلى الأزهار من حولهِ ... أصغى، فلم يسمع سوى همسها