للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعد هذا كله أن كل فلسفة تضع السلم فوق الحرب، وكل فضيلة تعطي للسعادة تحديداً سلبياً، وكل علم من علوم ما وراء الطبيعة يرى أن في مراحل الاعتدال والراحة التامة والأمل الديني في عالم خير من هذا العالم، وفي برزخ غير هذا البرزخ، يرى في هذا كله حداً للرفعة والسمو؛ إن هذه الفلسفة مهما كانت مظاهرها فهي تحمل طابع الفساد والانحطاط؛ وآمن بأنه فهم أن كل هذه المذاهب الداعية إلى التشاؤم والركون المطلق تدل على أن أصحابها الواضعيها كانوا في حالة مرض عضوي؛ ولما أراد هذا المريض أن يشفى ركن إلى التفاؤل؛ وقد نفعته أيام البلاء بالوقوف على أسباب التشاؤم، فانصب على الداء بكل ما يحوي جسده ونفسه من عزم، يقاومه في معركة لا هوادة فيها ولا رحمة، وبقوة روحه قد انتصر في عالمي جسده ونفسه؛ عاد متفائلاً، وعادت إليه العافية، (ألا إنني اكتشفتُ حياة جديدة؛ اكتشفتُ نفسي. إنني قد جرعتُ الأشياء الكبيرة كما رشفت الصغيرة منها، وجعلتُ من رغبتي في الشفاء والحياة كل فلسفتي، حذار جميعاً؛ إن الأعوام التي انحطت فيها حيويتي، هي الأعوام التي طلقتُ فيها تشاؤمي، وغريزة الوقاية هي التي صرفت عني فلسفة اليأس والفاقة)

(يتبع)

خليل هنداوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>