إن الدنيا شيء واحد في الواقع، ولكن هذا الشيء الواحد هو في كل خيال جنيا وحدها
وفي العربة امرأتان تقومان على اللقطاء؛ وكلتاهما تزويرٌ للأم على هؤلاء الأطفال المساكين؛ فلما سكنت العربة انحدرت منهما واحدة وقامت الأخرى تُناولها الصغار قائلةً: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة. . . إلى أن تم العدد وخلا قفصُ الدجاج من الدجاج. .!
ومشى الأطفالُ بوجوه يتيمة، يقرأ من يقرأ فيها أنها مستسلمةٌ، مستكينة، معترفة أن لا حق لها في شيء من هذا العالم إلا هذا الإحسان البخس القليل
جاءوا بهم لينظروا الطبيعة والبحر والشمس، فغفل الصغار عن كل ذلك وصرفوا أعينهم إلى الأطفال الذين لهم آباء وأمهات. . .
واكَبِدي أضنى الأسى كبدي، فقد ضاق صدري بعد انفساحه، ونالني وجع الفكر في هؤلاء التعساء، وعرتني منهم علة كدس الحمى في الدم. وانقلبت إلى مثواي، والعربة وأهلها ومكانها وزمانها في رأسي
فلما طاف بي النوم طاف كل ذلك بي، فرأيتني في موضعي ذاك وأبصرت العربة قد وقفت، وتحاور الأدهمُ والكميت. فلما أفرغوها وشعر الجوادان بخفتها التفتا معاً ثم جمعا رأسيهما يتحدثان!
قال الكُميت: كنتُ قبل هذا أجرُّ عربة الكلاب التي يقتلها الشرطة بالسم، فآخذ الموت لهذه الكلاب المسكينة. ثم أرجع بها موْتى؛ وكنتُ أذهب وأجئ في كل مرادٍ ومضطرب من شوارع المدينة وأزقتها وسككها ولا أشعر بغير الثقل الذي أجره؛ فلما ابتليت بعربة هؤلاء الصغار الذين يسمونهم اللقطاء، أحسست ثقلاً آخر وقع نفسي وما أدري ما هو، ولكن يخيل إلي أن ظل كل طفل منهم يُثقل وحده العربة
قال الأدهم: وأنا فقد كنت أجر عربة القمامة والأقذار، وما كان أقذرها وأنتنها، ولكنها على نفسي كانت أطهر من هؤلاء وأنظف، كنتُ أجدُ ريحها الخبيثة ما دمتُ أجرها؛ فإذا أنا تركتُ العربة استروحتُ النسيم واستطعمت الجو، أما الآن فالريحُ الخبيثةُ في الزمن نفسه كأن هذا الزمن قد أروح وأنتن منذُ قرنت بهؤلاء وعربتهم
قال الكميت: إن ابن الحيوان يستقبلُ الوجود بأمه إذ يكون وراءها كالقطعة المتممة لها، ولا تقبل أمُّه إلا هذا ولا يصرفها عنه صارف، فترغمُ الوجود على أن يتقبل ابنها وعلى أن