يعطيه قوانينه. أما هؤلاء الأطفالُ فقد طردهم الوجود منه كما يطرد الله آباءهم وأمهاتهم من رحمته. وقد هُديتُ الآن إلى أن هذا هو سر ما نشعر به؛ فلسنا نجر للناس ولكن للشياطين. .
وهنا وقف على حوذي العربة صديقٌ من أصدقائه فقال: من هؤلاء يا أبا علي؟
قال الحوذي: هؤلاء هؤلاء يا أبا هاشم
قال أبو هاشم: سبحان الله، أما تترك طبعك في النكتة يا شيخ؟
قال الحوذي: وهل أعرفهم أنا؟ هم بضاعة العربة والسلام. اركبوا يا أولاد، انزلوا يا أولاد , هذا كل ما أسمع
قال أبو هاشم: ولكن ما بالك ساخطاً عليهم، كأنهم أولاد أعدائك؟
قال الحوذي: ليت شعري من يدري أي رجل سيخرج من هذا الطفل، وأية امرأة ستكون من هذه الطفلة؟
انظر كيف تعلقت هذه البنتُ وعمرها سنتان، في عُنق هذا الولد الذي كان من سنتين ابن سنتين. . . . لا أراني أحمل في عربتي أطفالاً كالأطفال الذين تحملهم العربات إلى أبواب دوُرهم فان هؤلاء اللقطاء يُحملون إلى باب الملجأ، وهو بابٌ للحارات والسكك لا يأخذُ إلا منها، فلا يرسل إلا إليها
أنا والله يا أبا هاشم ضيقُ الصدر، كاسفُ البال من هذه المهنة، ويخيل إلي أني لا أحمل في عربتي إلا الجنون والفجور والسرقة والقتل والدعارة والسكر وعواصف وزوابع. . . .
قال أبو هاشم: ولكن هؤلاء الأطفال مساكين، ولا ذنب لهم
قال الحوذي: نعم لا ذنب لهم، غير أنهم في أنفسهم ذنوب. إن كل واحد من هؤلاء إن هو إلا جريمة تُثبت امتداد الإثم والشر في الدنيا. ولدتهم أمهاتهم لِغَيَّة
فقطع صاحبه عليه وقال: وهل ولدْنهُم إلا كما تلد سائر الأمهات أولادهن؟
قال: نعم إنه عمل واحد، غير أن أحواله في الجهتين مختلفة لا تتكافأ، وهل تستوي حالُ من يشتري المتاع، ومن يسرق المتاع؟
ههنا باعثٌ من الشهوة قد عجز أن يسمو سموه - وما سموه إلا الزواج - فتسفل وانحط، ورجع فسقاً، وعاد أوله على آخره. كان أوله حزماً فلا يزال إلى آخره حزماً، ولا يزال أبداً