والناس أجمعين على تلك المرأة التي انقادت له واغترت به. إن الرجل ليس شيئاً في هذه الجريمة فقد كانت بصقةٌ واحدةُ تغرفهُ، وكانت صفعةٌ واحدة تهزمه، وكان مع المرأة الحومةُ والشرائعُ والفضائلُ ومعها جهنم أيضاً
ألم تعلم الحمقاء أن الرجل الذي ليس زوجاً لها ليس رجلاً معها، وأن الشريعة لو أيقنت أنه رجل لما حرمت عليها أن تخالطه؟ إنه ليس الرجل هو الذي ساور هذه المرأة، بل هي مادة الحياة التي رأت في المرأة مُستودعها فتريد أن تقتحم إلى مقرها عنوة أو خداعاً أو رضى أو كما يتفق؛ إذ كان قانون هذه المادة أن توجد، ولا شيء إلا أن توجد؛ فلا تعرف خيراً ولا شراً ولا فضيلة ولا رذيلة
لأيهما يجب التحصين. أللصاعقة المنقضة، أم للمكان الذي يُخشى أن تنقض عليه؟ لقد أجابت الشريعة الإسلامية: حصنوا المكان؛ ولكن المدنية أجابت: حصنوا الصاعقة. . .!
وكانت المرأتان المصاحبتان لجماعة اللقطاء تتناجيان، فقالت الكبرى منهما:
يا حسرتا علي هؤلاء المساكين. إن حياة الأطفال فيما فوق مادة الحياة، أي في سرورهم وأفراحهم، وحياة هؤلاء البائسين فيما هو دون مادة الحياة، أي في وجودهم فقط
وكبرُ الأطفال منه إدخالهم في نظام الدنيا، وكبرُ هؤلاء إخراجهم من (الملجأ) وهو كل النظام في دنياهم، ليس بعده إلا التشريدُ والفقر وابتداء القصة المحزنة
فقالت الصغرى: ولم لا يفرحون كأولاد الناس. أليس الطبيعةُ لهم جميعاً، وهل تجمعُ الشمس أشعتها عن هؤلاء لتضاعفها لأولئك؟
قالت الأخرى: الطبيعة؟ تقولين الطبيعة؟ إنك يا ابنتي عذراء لم تبدأ في حياتك حياةٌ بعد، ولم تجاوبي بقلبك القلب الصغير الذي كان تحت قلبك تسعة أشهر. وإنما أنت مع هؤلاء (موظفة) لا تعرفين منهم إلا جانب النظام وقانون الملجأ
لقد ولدت يا ابنتي خمسة أطفال، وبالعين البليغة التي أنظر بها إليهم، أنظر إلى هؤلاء فما أراهم إلا منقطعين من صلة القلب الإنساني؛ يعبسُ لهم حتى الجو، ويُظلم عليهم حتى النور؛ ويبدو الطفل منهم على صغره كأنه يحملُ الغم المقبل عليه طول عمره
يا لهْفي على عودٍ أخضر ناعمٍ ريان كان للثمر فقيل له: كن للحطب
الفرحُ يا ابنتي هو شعورُ الحي بأنه حيٌ كما يهوى، ورؤيته نفسه على ما يشاء في الحياة