الخاصة به. وهؤلاء اللقطاءُ في حياةٍ عامة قد نُزعت منها الأمُّ والأب والدار فليس لهم ماضٍ كالأطفال وكأنهم يبدأون من أنفسهم لا من الآباء والأمهات
قالت الصغيرة: ولكنهم أطفال
قالت تلك: نعم يا ابنتي هم أطفال، غير أنهم طردوا من حقوق الطفولة كما طردوا من حقوق الأهل. وحسبك بشقاء الطفل الذي لم يعرف من جنان أمه أنها لم تقتله، ولا من شفقتها إلا أنها طرحته في الطريق
إن الطبيعة كلها عاجزة أن تعطي أحدهم مكاناً كالموضع الذي كان يتبوأه بين أمه وأبيه
ليس الأطفالُ يا ابنتي إلا صوراً مبهمة صغيرة من كل جمال العالم، تفسرها أعينُ ذويهم بكل التفاسير القلبية الجميلة؛ فأين أين العيون التي فيها تفسير هذه الصور اللقيطة؟
ألا لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين على أولئك الرجال الأنذال الطَّغاة الذين أولدوا النساء هؤلاء المنبوذين. يزعمون لأنفسهم الرجولة فهذه هي رجولتهم بين أيدينا، هذه هي شهامتهم، هذه هي عقولهم، هذه هي آدابُهم. . عجباً إن سيئات اللصوص والقتلة كلها يُنسى ويتلاشى، ولكن سيئات العشاق والمحبين تعيش وتكبر. . .
أكان ذنبُ المرأة أنها صادقةٌ فصدقت، وأنها مخلصةٌ فأخلصت، وأنها رقيقةٌ فلانت، وأنها محسنة فرحمت، وأنها سليمة القلب فانخدعت؟
واكبدي للمسكينة هل انخدعت إلا من ناحية الأمومة التي خلقت لها. هل انخدعت إلا الأم التي فيها، وهل خدعتها من ذلك اللئيم إلا الأبُ الذي فيه؟
واكبدي لمن تُفجع بالنكبة الواحدة ثلاث فجائع: في كرامتها التي ابتُذلت، وفي الحبيب الذي تبرأ منها، وفي طفلها الذي قطعته بيدها وتركته لما كتب عليه
إن هذا لا يعوضه في الطبيعة - إلا أن يكون لكل رجل من أولئك الأنذال ثلاثُ أرواح، فيُقتل ثلاث مرات، واحدة بالشنق، والثانية بالحرق، والثالثة بالرجم بالحجارة
وكان اللقطاءُ قد تبعثروا على الساحل جماعاتٍ وشتى، فوقف أحدهم على طفل صغير يلعب بما بين يديه، وأُمه على كثب منه، وهي تتلهى بالمخرم تتلوى فيه أصابعُها
فنظر الطفل إلى اللقيط وأومأ إلى جماعته ثم قال: أأنتم جميعاً أولاد هاتين المرأتين أم إحداهما؟