وأنت على الأدنى شمال عَريَّة ... تذاب منها مرسغ ومسيل
ثم الريح الصرصر والحرجف والالوب.
أما الرياح الحارة فمن أسمائها الحرور والسموم والسعار وهذه الأخيرة اشدها حراً وسعيرا.
وليست هذه الأسماء كل ما ورد ذكره في كلام العرب عن الرياح بل أن هنالك أسماء أخرى عديدة. وما ذكرنا الذي أوردناه هنا إلا لكي يرى القارئ مبلغ دقة العربي في ملاحظة الظاهرات الطبيعية، وليس بين كل هذه الأسماء ما هو مترادف. بل لكل منها معناه الخاص الدقيق.
وبالطبع قد أكثر شعراء العرب من ذكر الرياح وبوجه خاص اكثروا من ذكر الصبا. وأهل الحجاز يدعونها صبا نجدٍ لأنها تهب عليهم من تلك الناحية.
وهي ريح لطيفة جافة ليست بالحارة ولا بالباردة. وأظن الإكثار من ذكرها في الأشعار يرجع إلى عذوبة اسمها اكثر مما يرجع إلى عذوبة المسمى. أو لعل شعراء نجد هم الذين أكثروا من ذكرها إذ كانوا يفدون إلى الحجاز ليتاجروا بما لديهم من تمر وسمن ووبر ثم تهيج الصبا شوقهم إلى أوطانهم فيصيح شاعرهم:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد؟ ... لقد زادني مسراك وجداً على وجد
فالأصل في التغني بريح الصبا أن يكون صادرا عن النجدي وهو في الحجاز ثم يقوم الآخرون بالتقليد.
وهنالك نظرية أخرى لا تقل طرافة عن هذه، وهي إن الوفود إذا أقبلت على مكة فان الفتى الحجازي قد يهيم بغانية من بنات نجد لا تلبث أن تعود بعد الحج إلى وطنها العزيز ويطير قلبه وراءها شعاعا. ولا يزال بعدها تهيجه روح الصبا وتشوقه.
أما بشار بن برد فزعم انه تستهويه الجنوب على إنها عادة رياح حارة شديدة الحرارة وللناس فيما يعشقون مذاهب!
هوى صاحبي ريح الشمال إذا جرت ... وأهوى لقلب أن تهب جنوب
وما ذاك إلاّ أنها حين تنتهي ... تناهى وفيها من عبيدة طيب.
ويعجبني في هذين البيتين مطابقتهما في المعنى لبيتين قالهما بعد بشار بألف سنة الشاعر الاسكتلندي الرقيق روبرت برنز. وهما قوله: