وهذه الآثار - وأحسن نماذجها حكمة المتنبي وأوصاف أبن الرومي وأبي تمام والبحتري ونظرات المعري ووجدانيات الشريف الرضى، ورسائل الجاحظ - هي خلاصة الثقافة هو بلا شك دون المحصول الذي يظفر به مطالع الأدب الإنجليزي، الذي أوسع أقطابه النفس الإنسانية والحياة البشرية والمحاسن الطبيعية درساً ووصفاً ومناجاة
لقد أشرت إلى الظروف التي أحاطت بالأدب العربي فأدخلت فيه كثيراً من زيف الصنعة وكاذب القول وغلَّبَتْ الأسلوب في كثير منه على المعنى، ولعل طبيعة اللغة العربية قد ساعدت على هذا التغليب، وأمدت لمن انصرفوا بكلياتهم إلى الأسلوب وجمعت حولهم المستجيدين: لما للغة العربية من بلاغة أصلية، وموسيقى فخمة، وما لألفاظها وتراكيبها في الآذان والنفوس من روعة وفتنة، وما لأوزان الشعر العربي وقوافيه من رصانة واتساق بحيث يستطيع المتمكن من كل هذا أن يستولي على الألباب دون أن يبتدع في المعنى، كما يصرفك جمال اللحن الموسيقي عن تفاهة المعنى المتغنى به أحياناً
وقد زالت اليوم الظروف التي لابست الأدب العربي قديماً، فهبطت بمعاني الكثير منه وأدخلت عليه الزيف والصنعة وزيغ النظرة إلى الغرض منه، وما زالت للغة سعتها ومقدرتها وجمالها وموسيقاها، فإذا اجتمع صدقُ النظرة إلى الأدب ومطاوعةُ أداته وهي اللغة، إذا قرنت المعاني المبتكرة السامية إلى اللغة الفنية المساعدة، فما أجدر الأدب العربي أن يتبوأ منزلة عالية بين الآداب، وما أقوى الأمل في أن يفوق مستقبله كل ما عرف ماضيه