قلت أيها الأستاذ في الصفحة ١٢١٦ من الرسالة:(إن البينات تختلف بحسب الأمور المراد إثباتها، فإذا كانت هذه الأمور غير مدونة بنفسها كالحديث الشريف فلابد حينئذ من ذكر الأسانيد وسرد الروايات، أما إذا كان المراد إثباته مدوناً بنفسه لم يعد مجال حينئذ إلى الأخذ بطريق الرواية والإسناد، وصار لا بد من التدليل عليه بنسخه الأصلية، التي وضع بها، أو بالنسخة التي أخذت من هذه، فالقرآن الكريم مثلاً لما كان قد دون في العهد الذي نزل فيه وجمعت صحفه المدونة في عهد الخليفة الأول، وانتقلت إلينا نسخ مخطوطة منه كتبت في عهد قريب من عهد نزوله، لم يلجأ إلى الرواية لثبات صحته؛ وكذلك أيضاً شأن الشرع الروماني الخ) وقلت في صفحة ١٢١٥: (لئن جاز في نظرنا لأحد من النصارى أو اليهود المتعصبين أن يجزم بأن القرآن الذي بأيدينا هو غير القرآن الذي أنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأنه مختلف من جماعة من علماء المسلمين الحديثين، مكتفياً للتدليل على ذلك بأن يقول لنا: هاتوا دليلكم، فقد حق كذلك لصاحبي المقالين المتحمسين أن يزعما ما زعماه) فما أغناك أيها الأستاذ عن قياس القانون الروماني بالقرآن الكريم؛ وزعمك أن الاستناد في إثبات كونه هو المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هي نسخة المخطوطة القديمة الموجودة، لا روايته الصحيحة، فحينئذ هو عندك في نسبته إلى الشارع (كنسبة القانون الروماني المعروف إلى جوستنيان؛ وهذا تقرير لا أعلم مسلماً قاله قبلك أيها الأستاذ الفاضل، فالعمدة في إثبات القرآن الكريم ليست نسخة المخطوطة فحسب، بل المقرر حتى عند تلاميذ المدارس الابتدائية أن العمدة في إثبات القرآن الكريم إنما هو التواتر، والتواتر أقوى الأسانيد وقد تلقاه الجيل عن الجيل؛ ورواه الخلف عن السلف بالتواتر في كل عصر من عهد نزوله إلى اليوم، ولم يقل أحد بأن العمدة في ثبات القرآن إنما هي نسخة المخطوطة القديمة فقط. وكيف يقاس القانون الروماني الذي لا يعلمه إلا الأفراد من المتعلمين بكتاب يتلى في كل مسجد وزاوية، بل في كل بيت في بلاد الإسلام، وفرض على كل فرد من المسلمين تلاوة شيء منه في كل يوم خمس مرات، ذلك بعد أن حفظه الجم الغفير عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عصره، حتى ثبت أنه