وتقول أيها الأستاذ: فأولى بشبابنا ألا يكونوا أسرى عواطفهم من تعصب للدين ثم تقول: (إن في دعاواهم ما يضر بالإسلام ويسئ بثقافته الظنون) فيا عجباً لك أيها الأستاذ أدفاعنا عن الإسلام بالبرهان والمنطق يضر بالإسلاموتعصبنا لديننا يسيء بثقافتنا الظنون؟ هكذا تعصبنا نحن فقط يضر بديننا؟ لماذا يضر التعصب (على فرض وجوده) بنا وبديننا ولم يضر بأروبا ولا بدينها وقد ضربت فيه الرقم القياسي وبلغت النهاية؟ ألم تتقول أروبا على الإسلام بما ليس فيه وتقذف أهله بما يندى له جبين الشرف، وترمي نبينا العربي صلى الله عليه وآله وسلم بفري تصرخ منها الحقيقة ويضج لها التاريخ؟ فعلت ذاك ولا تزال تفعل إلى اليوم. فهل أضر بها لديكم فتيلاً؟ لقد أشبع الأوربيون ديننا زوراً وأوسعوا تاريخنا مسخاً وتشويهاً مما لو جمعنا بازائه كل ما قاله متعصبو المسلمين فيهم لما كانت نسبته إليه إلا كنسبة التأفيف إلى حرب البسوس؛ وهاهم أولاء يملأون الدنيا تبشيراً بدينهم، ودعاية لهم غير آبهين عند ذلك بأن يسفهوا الأديان ويكيلوا أنواع الأفك على مشرعيها. فهل أضر ذلك أيها الأستاذ بمسيحيتهم؟ وهل أساء بثقافتهم لديكم الظنون؟ أو هنيئاً مريئاً غير داء مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت
أما إذا قمنا لندافع عن ديننا بالتي هي أحسن ونظهر فضل تشريعه على العالم ببراهين كافية وأدلة وافية متذرعين بأقوال بعض الأروبيين أنفسهم غير قاذفين لأحد ولا متهجمين على أحد قلتم إننا متعصبون نسرف في القول على علماء أروبا الذين لا يمكن أن يزوروا، وأنهم وضعوا الحقيقة في أعلى المنازل وجعلوها فوق كل شيء لأن فلاناً ألف كتاباً عن النبي صلى الله عليه وعليه وآله وسلم، وفلاناً قال كلمات تعتبر ثناء على الاسلام، والآخر مدح فلاناً المؤرخ العربي وقال إنه من سلف علمائنا، فأولئك قوم رضى الله عنهم ورضوا عنه، فاصمتوا فلن يقولوا إلا حقاً، ولن يخبروا إلا صدقاً. ومعنى هذا أغلقوا أبواب البحث عن أروبا وتلقوا كل ما تلقيه عليكم بالتسليم. هكذا احتججتم وبهذا قضيتم؛ فما لكم كيف تحكمون؟
أما العصبية أيها الأستاذ فما أعظم رزء قومنا بفقدها. وأما العاطفة القومية فما أحوج أمتنا إلى الشعور بها فإننا الآن في زمان لا ملاذ فيه إلا للقوة ولا صولة فيه إلا للعصبية. فنحن في عهد تنشد فيه العصبية وتحمد فيه العاطفة الدينية، ومن لا يتعصب لدينه لا يتعصب