للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منه الألم كائناً كئيباً وهذا الروح لا يزال ثقيلاً لم يتعلم أن يرقص وأن يلعب ويفرح حراً طرباً وثاباً على أمواج الحياة، إن هذه الفكرة خلقت لنيتشه خيالاً جديداً انطوى على الصورة الرائعة التي وجدها في نبيه (زرادشت) هذا النبي الذي قضى في الصحراء عشرة أعوام، مرتاحاً لعزلته وفكرته، ثم نزل إلى الناس يلقنهم الديانة الجديدة، ديانة السوبرمان والعودة الخالدة، وهو يجمع حوله في مناراته المنعزلة نماذج متقاربة صافية للإنسانية المتألمة السامية. إن رجال الرغبة الكبيرة والاحتقار الكبير والسأم الكبير؛ هؤلاء الرجال يجب أن يفسحوا مكاناً للسوبرمان الذي يشفيهم من تشاؤمهم ويضيء لأعينهم آفاق المستقبل، ثم يموت في اللحظة التي يبلغ فيها أعلى ذروة الحكمة، في اللحظة التي تبلغ فيها شمس وجوده سمتها الأعلى في الهاجرة الكبرى، معلناً بموته انتصار مذهبه

وقد رأينا توصلاً إلى تحليل فلسفة نيتشه تحليلاً منطقياً أن نقسمها إلى قسمين: الناحية السلبية، وهي تنطوي على نقد الإنسان الحالي ونقد إيمانه وغريزته، والناحية الإيجابية، يبحث فيها السوبرمان وعودته الخالدة، وبهذا تبدو أفكار نيتشه مرصوفة ضمن نظام مذهبي لم تعرف به من قبل. لأن هذه الأفكار في الآونة الأخيرة لم تثبت على حال معهودة فهي سريعة التبدل وسريعة التنقل. ونتشه نفسه لا يريد أن يكون فيلسوف مدرسة. . . لأن الحقيقة عنده لا خلاف فيها. على أنه لم يحجم عن مهاجمة الآراء التي يراها فاسدة بأدلة باهرة وحجة منطقية (إلا أن غريزتي تريني في هذا الإنسان أو في هذه الكتلة من الناس جماعة منحطة تدعو إلى الاحتقار. . . وفي هذا المذهب أو في هذا الإيمان جرثومة مرض. . . إنني أحاربهم وأكافحهم كما يكافح الخطر والمرض. فإذا صح أنني أنصر مذهباً حياً وخصومي ينصرون مذهباً فاسداً فالنصر لا ريب معاودي، وفي الحالة المعاكسة لا يأتيني إلا الخسران! وبما أنني لا أريد إلا شيئاً واحداً هو انتصار الحياة، أراني أطرب بانكساراتي كما أطرب بانتصاراتي وكل ما وراء ذلك عندي سواء

أو ليس من الغباوة أن نشيد مذهباً منطقياً لفلسفة نيتشه ضمن هذه البوادر، شأن فلسفة (كانت) وشوبنهاور، وليس للمنطق كبير شأن في هذه الفلسفة؟. على أن نيتشه إذا صح حدسي كان يأتي المسألة ويدرسها من جوانب مختلفة، يتلقنها ثم يدرسها ثم يفحصها حتى تحين اللحظة التي يطلق فيها حكمه الأخير. فإذا درست آثاره أثراً أثراً ألفيت أن المواضيع

<<  <  ج:
ص:  >  >>