أما البحث في تحليل حياة الشعراء وكيف نشأوا والعصور التي يعيشون فيها، والبيئات المحيطة بهم فذلك أولى بالمؤرخ الأدبي منه بالناقد الفني، على أن تلك البحوث لا تفيد طالب الشعر فائدة قليلة ولا كثيرة في الإجادة الفنية، وإن إفادته في توسيع ثقافته العلمية
ثم سألتني أيها الأخ الكريم أن أعود إلى محادثة الأدباء والمتأدبين فيما قرأتُ وأقرأ من جيد الكلام ورديئه، وتبيين سبب الإجادة في الأول، وموضع المؤاخذة في الآخر، والترجيح بين المتساويين في أول النظر على صاحبه، ثم لا أذكر بيتاً فيه زلةٌ لشاعر إلا عقبته ببيت قد سلم منها لمعاصر أو غير معاصر، مفاضلاً بين البيتين، موازناً بين الشعرين، ليكون ذلك مثالاً يتبع، وقياساً ينتهج، فان لم أجد فيما أحفظ من الشعر ما يصلح مثالاً، ويتخذ قياساً، غيرتُ من البيت نظمه، وداويتُ سقمه، وذهبتُ بشكله، وأبقيت على أصله، وذلك هو ما انتهجته في البحوث السابقة، وشرحته في أول بحث كتبته، وإنا لسؤالك لباذلون، ولدعوتك لملبون؛ نسأل الذي فطر الفطرة، ووهب القدرة أن يعصمنا من هوى لا نستطيع غلابه، وأن يعيذنا من خطأ لا نعرف صوابه، ولست أعد قراء (الرسالة) بأن تحمل حديثي إليهم في كل أسبوع، بل قد تطول الفترة بين الحديثين، وقد تقتصر، إذ لم أتعود فيما أكتب التقيد بالوقت، فان هذه القيود الصحفية مما يحمل الكتاب في بعض الأحيان على أن يملأوا الصحائف بالسطور، وإن خلت من فائدة الجمهور