بالقاهرة (٥ مايو سنة ١٩٢٧) محاضرة في (أثر المستعربين من علماء المشرقيات في الحضارة العربية) وعددت ما نشره علماء المشرقيات في كل أمة غربية من كتبنا، أن قام رحمه الله يعدد أغراض علماء المشرقيات من الغربيين في الدين والسياسة، وما كان موضوع المحاضرة غير التنويه بفضل من خدموا آثار أمتنا فاستفدنا نحن بالعرض. وأذكر أن بعض أساتذة مصر ممن حضروا المجلس تبرموا بكلام الأستاذ جاويش وعدوه خروجا عن الموضوع، لأني لم أمتدح المستشرقين إلا من الوجهة التي أفادوا بها حضارتنا، حتى إن الأستاذ علي الشمسي باشا (وزير المعارف المصري يومئذ) كان ممن حضر فقال: سامح الله الأستاذ جاويش، إن صاحب المحاضرة لم يتعرض لمدح المستشرقين في السياسة والدين، وإنما ذكر افضالهم على لغتنا وحضارتنا بنشر كتبنا. قال ذلك للأستاذ سيد كامل رحمه الله، (راجع المحاضرة في مجلة المجمع العلمي العربي م٧ ص ٤٣٣)
فأنا والحالة هذه إذا امتدحت من علماء المشرقيات، وأعجبت بعلمهم في خدمة آدابنا، فإنما تنويهي بهم من هذه الناحية فقط. وأعلم أن كثيرين منهم يعملون لسياسة بلادهم أولا، وأن منهم دعاة دين متعصبين يتخذون الاستشراق سلماً لخدمة دينهم على نحو ما كان أسلافهم في القرون الوسطى، ومن أحب أن يقف على تخريف المخرفين من المستشرقين، وإنصاف المنصفين منهم في أحكامهم على الإسلام والعرب فليرجع إلى كتابي الأخير (الآلام والحضارة العربية) فمعظم هذا السفر يدور على هذا المحور، وأحب مع هذا ألا يفوتنا أنه ليس من المعقول أن نكلف من لم يتأدبوا بأدبنا، ولم تعمل فيهم أحاسيسنا، ولا دانوا ديننا، أن يعتقدوا ما نعتقد، ويكتبوا فينا ما نحب. فلكل جنس تفكيره، ولكل جيل مدنيته، ولكل إنسان أهواؤه وأغراضه.