للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الناس وعلاج النفس، وهناك العرف والقوانين توجه الناس إلى الخبير وتجذرهم من الشر، وفي تهذيب لنفسهم وإصلاح لجوانب الشر فيهم.

ولكن يظهر لي أنها كلها مع فائدتها لا تكفي، لأنها - من ناحية - تكاد تكون علاجاً عاماً يقال لكل الأشخاص، وتخاطب بها كل النفوس، كالطبيب يذكر ضرر الإفراط في الأكل، وأضرار كثيرة التدخين، وفائدة الرياضة البدنية، وفائدة الاعتدال في المأكل والمشرب، وهي قل أن تتعرض للأزمات النفسية الخاصة بكل نفس وما أحاط بها من ظروف خاصة، ونوع النفس وما يلزم لها من علاج خاص بها، هي أقرب ما تكون إلى الوقاية لا إلى العلاج، وللاحتياط من الوقوع في المرض لا لعلاج المرض، فان تعرضت لعلاج وصفت علاجاً عاماً للناس على السواء، إذ ليس في استطاعتها - غالباً - أكثر من ذلك.

ومن ناحية أخرى أكثر ما بأيدينا منها اليوم يؤسس على ما وصل إليه العلم الحديث، ولم يبن على ما أستكشف من قوانين علم النفس على قلة ما أستكشف منها، فالدراسة الحديثة أبانت عن اتجاهات كانت غامضة، وأخطاء كانت ترتكب في تصور النفس وإدراكها وجرائمها وطرق تهذيبها، ولا يزال علماء النفس يقومون في أول مراحلهم، ولم يقولوا في النفس إلا الكلمة الأولى، فكان من المعقول أن يساير التهذيب ودراسة الأخلاق وعلاج النفس ما وصل إليه علم النفس وعلم الاجتماع، كما يساير علم طب الأجسام ما يستكشف من مخترعات. فآلات الجراحة اليوم غيرها بالأمس، والمادة الطبية اليوم غيرها بالأمس، والمادة الطبية اليوم غيرها بالأمس وهكذا ولكن ذلك لم يكن.

وربما كان أقرب المناحي إلى طب النفس منحى الصوفية، فقد كان لكل مريد شيخه يفضي إليه بدخائل قلبه وأزمات نفسه، ووسائسه وخطراته وآلامه وتوجهاته، والشيخ يصف لكل مريد ما يراه أنسب له وأقرب لعلاجه، ويصف له طرقاً يسلكها واتجاهات يتجهها وأوراداً يتلوها، يرى أنها تشفى مرضه، وتبرئ نفسه، وله في كل مريد نظرته وفراسته، بها يشخص وبها يصف، ولكن تكاد تقتصر هذه الحالة بين المريد والشيخ على الأزمات الدينية، أما ما عدا ذلك من أزمات دنيوية واجتماعية، فقلما يتناولها المريد والشيخ، على أنه، من لكل مريد بهذا الشيخ الدقيق النظر الصائب الفكر الصادق الفراسة الموفق في تبيُّن المرض ومعرفة العلاج.

<<  <  ج:
ص:  >  >>