والوسيط، وخوفهم من بطش الآلهة وغيرتها إن اشتدَّ الرجل منهم أو زها وعظم أكثر من اللازم. وقد كان التوسط والاعتدال رائد الإغريق في كل شيء، ولم يكن التطرف عندهم ذنباً فحسب بل جريمة كبرى، ولذلك نرى الاعتدال أظهر ما يميز أدبهم وفهم، ولذلك أيضا ًكان (أرسطو) مؤسس المدرسة الفكرية التي تمنح نفسها للمنطق والعقل وتحاذر كل الحذر من الشعور والعاطفة.
والآن واحسبني قد بسطت طريقة (أرسطو) في النقد وقارنتها بالطريقة الشعورية الأخرى أحب أن أقول كلمة عن المذهبين.
إن كل ما يفعله (أرسطو) هو أن يشرح ويفصل ويرتب ويصنف ليعطينا في النهاية مجموعة من القوانين والقضايا ما أحسبها تخلق فناناً أو تصلح من شأن فنان آخر. وهو في هذا يخاطب الفكر لا العاطفة، وإني كلما تصورته يعالج (شكسبير) يضيق بي الخيال ولا أدري كيف كان يتيسر (لأرسطو) أن يفعل هذا.
قد كنا نفهم بعض صفات فن شكسبير ومميزاته من نقد (أرسطو) له. على أني أشك كثيراً في أنه كان يجعلنا نتفهم الشاعر نفسه ونعشقه مثلما فعل (كولريدج) و (هزلت) و (تين) وفي رأيي أن أعلى أنواع النقد ما كان يؤثر في النفس ويوحي إليها النقد الذي يشرح ويفصل دون أن يزج في دائرة الفن ودون أن يصبح علماً من العلوم. ذلك هو النقد الذي يعالج الأدب مثلما يعالج الأدب نفسه الحياة، أعني عن طريق الخيال والعاطفة.
كتب (تشارلس لام) يقول:
(إني أفضل العاطفة على العلم) وفي يقيني أن كل من له صلة بالأدب ولا يفعل (لام) يكون مخطئاً في حق نفسه وفي حق صناعته أو فنه.