سبب أو يشرحه مثال، كما أن المنطق كان دائماً رائده في البحث والنقد - ذلك لأن طبيعة عقله كانت طبيعة عملية واقعية مثل طبيعة أهله وقومه الإغريق. وهو إن سرد لك قضية من القضايا، أو نظرية من النظريات سردها في بساطة وغير كلفة تشعرك بأنك كنت تعلمها من قبل، وأن عكس هذه القضية لا يمكن أن يوجد أو أن يكون صحيحاً، كما أن قضاياه تمتاز بأنها يمكن أن تستخلص منها قضايا أخرى صغيرة، وأن تبني عليها نظريات أكبر وأوسع أفقاً في رأي أرسطو كناقد أن الشعر نوع من التقليد والمحاكاة - تقليد الحياة والطبيعة - وفي رأي (شلي) كناقد أيضاً أن (الشعر هو ما يحيل الأشياء كلها جمالاً - فهو يزيد الجميل جمالاً ويزين القبيح ويجمله) - كلنا يعرف أن قول (شلي) هذا صحيح، وأن الشعر فعلاً يؤدي كل هذا، ولكن هل نستطيع أن نسمي هذا القول تعريفاً للشعر؟ هنا نشعر بالقارق بين الناقد الشعوري والناقد الفكري، فكلاهما يعبّر عن أشياء صحيحة حقيقية، ولكن الثاني يجعلك تلمس ما يقول وتبصره، بينما يسحر الأول سمعك ثم يتركك ويمض - وقد لا يكون تعريف أرسطو للشعر في جمال أو حلاوة تعريف (شلي) لكنه ملموس محسوس نستطيع أن نبصره في وضوح وأن نبني ونعتمد عليه.
وهناك فارق آخر بين الناقدين يبدو لنا أيضاً من خلال تعريفهما للشعر، فواضح من سطور شلي أن الناقد لا يعني فقط بطبيعة ما ينقده وماهيته، بل يعنى أيضاً بالغرض والرسالة التي عليه أن يؤديها الشعر - مما يجعل البحث بعيداً عن روح العلم - في حين أن (أرسطو) لا يتساءل مطلقاً عن رسالة الفن أو الشعر في الحياة، بل كل ما يهمه أن يهمه أن يبحث طبيعتهما وأن يشرحهما لنا - شان العالم الكيميائي أو الطبيعي -.
وقد كان (لأرسطو) وجهة نظر في نقده خاصة به، وأعنى بها أنه كان يرى أن لكل فنّ من الفنون، قصصاً كان أم شعراً غنائياً، نهاية طبيعية لا بد أن يصل إليها وألا يتعداها، فان أراد صاحب الفن أن يتعدى بفنه نهايته كان مآله الفشل ومصيره السقوط الذي لا نجاة منه، فقد يصل شعر شاعر مثلاً مرتبة النضوج والكمال، وهو في سن الثلاثين، غير أنه مهما عمّر الشاعر بعد ذلك من سنين ومهما زاده العمر من حكمه وتجارب، فان شعره لن يزيد ولن ينضج أكثر مما نضج - وقد لا يرى البعض هذا الرأي غير أنه - في اعتقادي - رأي لا باس به، ساعد على تكوينه لدى (أرسطو) حب الإغريق الغريزي للاعتدال