عبقرية شاملة لا يدرك شأوها ولا يلحق غبارها، وذكاءً متوقداً لا يجاري، وقلباً عقولاً لا يباري، وحذقاً حاداً مساماته وفكراً نافذاً مجاراته، وبصيرة قوية لا يجري في مضمارها.
أما العناصر الوراثية فالدكتور من نسل آرى. والآريون يمتازون بدقة الفكر وسموا الخيال عن الشعوب الإنسانية الأخرى. ثم الدكتور ينتسب إلى طبقة البراهمة منهم، وهي طبقة قد سادت ولا تزال تسود بحدة ذكاءها ورحابة عقلها وحصافة رأيها جميع الطبقات الاجتماعية الأخرى في الهند منذ آلاف من السنين، فدقة الفكر وسمو الخيال بالقوة عنصران وراثيان هامان في نفسية الدكتور وشعره.
وأما العناصر الثقافية الكسبية فهي التي يكسبها الإنسان بواسطة التربية والتعليم. فقد بلغ فيهما الدكتور رفعة لا تسامى ومنزلة لا تغالب، إذ تعلم في معاهد الشرق والغرب ونال منها أرقى الشهادات وأعلاها بالتفوق والامتياز وهضم الثقافتين - الشرقية والغربية - في معناها الحقيقي. فهو على اطلاع تام بالفكر الشرقي - الهند والإيراني - بجلبه وخفية وتأريخه وتقدمه، كما هو عالم متجر في الفكر الغربي بجميع أدواره وتحولاته، سواء كان عند اليونان أو الرومان، أو الإنجليز أو الألمان، أو فرنسا أو أمريكا. وقد سبر الدكتور غور الفكر السامي العربي أيضاً وبخاصة الإسلامي منه كما تميط اللثام عن ذلك مصنفاته، وقد أشار إليه هو أيضاً في خطاب حيث قال:
(أنا قد صرفت معظم حياتي في دراسة فقه الإسلام وسياسته وحضارته ومدنيته وأدبه، فبناءً على دراستي الطويلة هذه وعلى العلاقة الخاصة التي لي بروح تعليم الإسلام اعتقد أنني على بصيرة أقدر بها أن أحكم على منزلة الإسلام في العالم من حيث الحقيقة العامة).
والدكتور حائز في جميع هذه العلوم والمعارف درجة الاجتهاد وأما العناصر التي ترجع إلى البيئة فهي صنفان: الاجتماعية والجغرافية. أما الاجتماعية فقد ولد الدكتور في مجتمع إسلامي وتربي فيه ودرس حاضره وماضيه، فهو كأحد أركانه من محبيه الأوفياء، وعشاقه الصادقين، ومن أكبر الطامحين إلى خيره ومجده، كما هو من كبار العارفين بحقيقته وصلاحيته. وهذا الحب، والعشق، والطموح، والمعرفة كعناصر البيئة الاجتماعية متجلية في نفسه الشاعر وشعره، وليس هذا التجلي عن عاطفة وتعصب، بل عن علم وعقل، كما سيظهر لك من المقال الذي سنخصصه لذلك في المستقبل إن شاء الله.