للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والحقيقة تبعاً لهذه الشريعة حيث تدفعني إرادة قوتي: قال: إنما الخير والحقيقة شيئان ينبغي أن يطلبا لنفسيهما. . . يجب صنع الخير لأنه الخير. ويجب نشدان الحقيقة حباً للحقيقة. وحياة الإنسان ليس لها قيمة إلا بقدر ما تنكر من أنانيتها وذاتيتها في سبيل خدمة هذا المثل الأعلى، فلتقُتل إذن كل ميولها الغريزية في سبيل هذا الإنسان نفسه الذي قدر هذا التقدير إنما تسوقه غريزة - لأن الغريزة هي سائقة النفوس إلى ما تعمل - ولكن هذه الغريزة غريزة فاسدة.

على أن هذه الغرائز ليست في الناس سواء، فبعضها، فبعضها معتدلة تعمل على تغذية حياتها وصيانة نموها، وبعضها فاسدة معتلة تعمل على إخفاء مادتها الحيوية. وللعلل الجسدية تأثير كبير فيها قد يتداركها الطبيب قبل أن تضوي الجسد. وهنالك علل (الشخصية) ولهذه العلل أسباب طبيعية. وبحسب هذه الغرائز المختلفة المتسيطرة على الإنسان يأتي صاحبها صالحاً أو طالحاً، مثلاً عالياً أو مثلاً سافلاً.

إن - هنالك - رجالاً خالصي الأجسام والأرواح يقولون (نعم) للوجود! هم سعداء ناعمون بحياتهم، وهم ممن يجدر بالحياة أن تخلد لهم. وهنالك رجال منحطون ضعفاء مرضى قد أظلمت غريزتهم وماتت حيويتهم، يقولون (لا) للوجود! يجنحون إلى الموت والفناء، لا غاية لهم يتحرون عنها، وليس لهم - والحالة هذه - أن يتحروا عن بقائهم في الوجود، وهذه سنة طبيعية تنطبق على الحياة التي لا تتمرد، والحياة - في كل صقع - سائرة في طريق التقدم أو في طريق الانحطاط. والإنسان فيها مثل غرسة، طوراً تحيا ذابلة يائسة، وطوراً تتفتح مشرفة زاهية، تسمو منها فروع عالية.

يتبع

خليل هنداوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>