للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عمله، وما هي كثرة العمل وإنما هو تقصير من جعله الحظ مقصرا.

وتذكر يا صديقي انك دهشت حين رأيتني أعلنت عن (ثورة الأدب) إعلانا أميركياً وإني سارعت في إهدائي وكنت تعرفني أشد الناس فتورا في الإعلان والإهداء، وتتساءل إن كان الله قد رزقني عفريتا في الإعلان، وتكرر انك ما تزال دهشا لأنك لم تفهم بعد مصدر هذه السرعة في الإهداء والإعلان. وإني لجد حريص على أن تزول دهشتك. فلأدلك على هذا العفريت الذي رزقني الله في الإعلان والإهداء. هو النظام الجديد للمطبوعات والصحف. فقد تعلم أن هذا النظام يقتضي إجراءات، منها تقديم عدد من النسخ إلى إدارة المطبوعات ومنها أن أية هيئة علمية أو أدبية أو دينية أو ما أدري ماذا تستطيع أن توحي إلى الحكومة فتصادر الكتاب الذي يطبع، وقد تصادر المطبعة التي طبع الكتاب فيها. ولعلك لم تنس قصة كتاب الخطيب البغدادي في السنة الماضية وحسن بلائك في الإفراج عنه. وقد ابتلينا نحن من قبل بشيء من هذا حين طبعت وصاحبي المازني وعنان كتاب (السياسة المصرية والانقلاب الدستوري) فقد قدمنا منه خمس نسخ لإدارة المطبوعات وأخذنا بها إيصالا وأردت بنفسي أخذ خمسمائة نسخة من الكتاب فإذا البوليس يحيط بي ويقتادني وكتابي إلى قسم عابدين، وإذا به يأمر ألا ينشر الكتاب وإذا بي اضطر إلى الالتجاء للنائب العام وإلى انتظار أسبوع أو نحوه حتى يفرج عن الكتاب. أفليس من حقي وذلك ما رأيت أن احتاط لنفسي حتى لا يقودني البوليس والجند مرة أخرى إلى القسم. فإني لأؤكد لك يا صديقي طه إن مثل هذا الموقف ليس مما تستريح له نفسي ولا نفس أي رجل مثقف. ولتلاحظ يا صديقي أن عنوان كتابي (ثورة الأدب). . وإذا كنت مهما آثر ألاّ أخيفك أو كانت الثورة لا تخيفك مهما تكن فيخيل إلي إن غيرك يخاف حين أثور وإن لم أر نفسي يوماً في حاجة إلى أن أثور، ويخيل إلي أن غيرك يخاف من كلمة الثورة كما كان الأتراك في العهد الحميدي يخافون كلمة الثورة وكلمة الحرية ولا يأذنون بنشرها أو نشر ما يماثلها. ولكي أتقيِ البوليس والجند والذهاب إلى القسم أعلنت الكتاب للناس وسارعت إلى إهدائه أصدقائي حتى إذا صودر قبل نشره أو أصابته مصيبة من مصائب هذا العهد أكون قد تعزيت بما أهديت من بعض نسخه، وبأني أعلنته للناس فحل بي وبه ما حل من ظلم وهضم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>