ووقفت السيارات في عرض الطريق بينما جلس السائحون صامتين من الذهول، وقد اتجهت أنظارهم - دون أن تتحول مطلقاً - صوب النوافذ الزجاجية.
لقد فقد زبائن المقهى وعيهم كلية، وملكهم الرعب من جراء شجاعة ذلك الرجل الخارقة، ولقد دفعهم الخوف لأن يضعوا أيديهم على حقائبهم، فقد تكون هي احسن وسيلة لأبعاد ذلك الحمال الذي حمل إليهم الألم والأذى.
على أنه لم تكن هناك وسيلة ما!.
لم يبق من الكوبة شيء يذكر، كان الرجل يمضغ بهدوء البقايا الأخيرة ولم يقاومه إلا القاعدة لأن زجاجها أكثر سمكاً فلوح بها في الهواء وعليه إمارات النصر الممتلئ بالاحتقار.
كان السكون التام يسود المكان كله ولم يكن هناك إلا فتاة صغيرة - عيناها نصف مقفولتين - تبكي بوداعة. وفي تلك اللحظة اقترب رجلنا من المنضدة المجاورة وقبض - دون أن ينطق بكلمة واحدة - على آنية السكر المعدنية وأدارها على المنضدة ثم قدمها وهي فارغة مما كانت تحويه طالباً المعونة، وقد علت وجهه إمارات التهديد. وفي الحال انفتحت حقائب النقود كأن قوة سحرية فعلت بها ذلك. وتراكمت قطعه النقود في آنية السكر كأنها قطرات مطر هاطل، وتنقل الرجل من منضدة إلى أخرى وهو مالك نفسه أكثر من رجل مسلح من رجال العصابات. ماداً آنية السكر كأنه يصوت مسدساً. إنه لم يستجد بلسانه مطلقاً، كما أنه لم يشكر من أعطوه، على أنه لم يكن يغادر المنضدة إلا بعد أن يعطيه الجالسون عليها نقوداً.
وفي الطريق وقف المارون ينظرون في صمت ما يفعله الرجل وقد ظهر عليهم السرور واضحاً. لاحظ مدير المحل - ولكن بعد أن فات الأوان - أن سمعته في خطر كبير فانحنى يطلب بأدب جم إلى العامل أن يوقف هذه الشحاذة، لكن الرجل أبعد ذلك الشخص الذي يضايقه بأن هز كتفه هزة خفيفة ثم استمر في تكديس النقود كأن شيئاً لم يحدث قط، فقد كان يعتبر الجالسين في المقهى كأنهم أكياس منتفخة من الذهب.
لقد جاء إلى المكان وأطاعوه بسهولة! وفي اللحظة التي شعر فيها بأنه حصل على ما يريد أفرغ ما تحتويه آنية السكر في جيبه وألقى على الأرض - دون أي مراعاة - قاع الكوبة