الحياة الإنسانية تمام التقديس ويعتقد سكان أفريقية الوسطى أن القاتل إذا قاسم قوماً في طعامهم أو بات في كوخهم أحل بهم غضب الله وربما كان سبباً في هلاكهم، اللهم إلا إن تداركهم القسس والكهنة بأدعيتهم وتضرعاتهم، ويزعم بعض القبائل الهندية أن الرجل إذا قتل عدوه لا يسلم من شر روحه إلا أن أراق دم خنزير أو جدي صغير، ومع أن البانتو يعدون الفوز في المعارك الحربية مفخرة عظيمة وشرفاً لا يعدله شرف فأنهم يخشون أرواح القتلى خشية تصل بهم أحياناً إلى الجنون والصرع. ولدرء هذا الخطر يبقى المحارب الظافر في العاصمة بضعة أيام لابساً خرقاً بالية آكلاً في أواني وبملاعق خاصة، وحرام عليه أن يشرب الماء وان يقرب النساء وأن يتناول أي طعام دافئ. وإذا قتل أحد سكان الكونغو قتيلاً حمل على رأسه بعض أرياش الببغاء وغطى جبهته بلون أحمر، وكأنما يريد ذلك أن يستتر عن أعين الروح التي تطارده. وفي غانا الجديدة تسارع القبيلة المحاربة بعد إنجازها هجوماً أو معركة ما بالعودة إلى مساكنها أو إلى قرية محالفة قبل أن يدخل الليل الذي تهيج فيه الأرواح وتتشبث بالقتلة والمحاربين. وفي مقدور الروح أن تتعرف من اعتدى عليها بما لصق بجسمه من دم القتيل أو أي أثر من آثاره. لذلك يطهر المحارب جسمه وحريته بعد أن يتم مهمته، وإذا وصل إلى قريته حيل بينه وبين أهله وذويه وبقى منعزلاً فترة من الزمن، وفي اليوم الثالث من وصوله يحتفل به أصدقاؤه احتفالاً مناسباً، وفي اليوم الرابع يلبس أجمل ثيابه وعدة حربه ويخرج شاكي السلاح مخترقاً شوارع القرية؛ وعله يرمي بهذا إلى استرداد قوته وشجاعته. وإذا شكا أحد أبناء القرية ألماً في معدته ظن أن ذلك راجع إلى أنه جلس في مكان شغله محارب من قبل؛ وإذا أصيب بأذى في أسنانه عزا هذا إلى أنه أكل فاكهة لمسها محارب
وأرواح الآباء والأقارب القتلى بوجه خاص شديدة الهول وعظيمة الخطر، لأنها تجد وسائل كثيرة للثأر لنفسها وأعرف بدخائل القاتل من الأرواح الأخرى. وقد يكون في هذا ما يفسر قسوة الجمهور إلى اليوم على قاتل أبيه أو أمه أو أخيه. والقوانين الجنائية نفسها مشربة بهذا المعنى في مختلف الأمم والشرائع، ولأبناء القرية الواحدة من الجلال والحرمة ما للأهل والأقارب، فلئن استساغ همجي إزهاق روح أجنبية لا يستطيع أن يخفي ذعره من اعتدائه على روح جاره ومواطنه. فسكان الكونغو مثلاً لا يرون غضاضة عليهم في