العدوان على القرى المجاورة في حين أن عدوانهم على أبناء قبيلتهم وقريتهم يملؤهم خوفاً ورعباً، ولا يتردد القاتل في أن يلبس السواد على من قتله ويحزن عليه حزناً شديداً كأنه أحد أقاربه أو أصدقائه ولا يشرب ولا يأكل ويبكي بكاء مراً
وليس خطر الأرواح والأشباح بمقصور على الأفراد وحدهم بل يتعداهم إلى الجمعية بأسرها، لأن الأرواح الثائرة ربما تعدو على من صادفها دون أن تميز الجاني من غيره. لذلك تضطر الجمعية إلى تهدئة ثورة هذه الأرواح بشتى الوسائل أو إلى محاربتها والفرار منها. ومن الأمثلة على ذلك أن أهل برمانيا يزعمون أن أرواح القتلى لا تصعد إلى عالم السعادة ولا تنزل إلى عالم الشقاء، وإنما تبقى دائماً حائرة في الأرض تفزع من تلقى، ولترضية هذه الأرواح تقدم لها في الغابات المجاورة قرابين من الأرز مصحوبة بالأدعية الآتية:(أرواح من سقطوا من شجرة، أو من ماتوا جوعا وعطشاً، أو من أكلهم النمر والثعبان، أو من عدا عليهم الإنسان، أو من أهلكهم الطاعون والجرب، لا تسيئوا معاملتنا، ولا تؤذونا ولا تثوروا علينا، امكثوا هنا في هذه الغابة حيث الأرز اللازم لطعامكم) وقد لا تقف الجمعية عند القرابين والهدايا للتكفير عن خطيئة القتل وتهدئة الأرواح المضطربة، بل تعمل على مطاردة هذه الأرواح بطرق أخرى. فهنود أمريكا الشمالية إذا عادوا من معركة صاحوا صيحات عالية وأحدثوا جلبة وضوضاء يراد بها منع الأرواح من أن تدخل قراهم، ومن الغريب أنا نجد نفس هذه التقاليد لدى سكان غانا الجديدة الهولندية والألمانية، وفي استراليا. ويقطع جماعة الإسكيمو المقيمون في مضيق بيرنج عضلات ذراع وجنب القتيل ليحول ذلك دون سيره إن عادت روحه إلى جسمه طلباً للثأر. وفي أفريقية الجنوبية يهشم العمود الفقري تهشيماً منعاً للقتيل من الحركة. وتملأ طائفة أخرى عين القتيل بالفلفل كي تضل روحه السبيل
فخرافة الأرواح والأشباح ملأت الناس أفراداً وجماعات ذعراً وهولاً، ودفعتهم إلى احترام الحياة الإنسانية وتقديسها. وما القوانين الجنائية المنظمة؛ والمحاكم القائمة بين الناس بالعدل والإنصاف إلا أثر صالح من آثار هذه الخرافة. خشي الفرد القاتل الأرواح وعدوانها فلم يسرف في القتل حباً لذاته وتعلقاً بشخصه، ورأت الجماعة في هذه الأرواح خطراً يهدد كيانها فأنزلت بالقتلة صارم العقاب، وسنت ما سنت من حدود تروع الجناة وسفاكي الدماء،