وإنك لواجد في منشأ الحضارة الأوروبية هذا العمل الذي ولد هذين المذهبين. فهناك طائفة محبة للقتال، وعصابة من الرجال المفترسين الذين يسطون على طائفة جانحة للسلم، نافرة من الحرب كما هو الأمر في الحضارة اليونانية الرومانية، التي تلاشت إزاء هجمات الأقوام الجرمانية. إن الرجل الشديد المعتمد على نفسه، تموج في صدره رغبته بتعيين قيم الناس والأشياء بنفسه. وليست فضيلته إلا بهجته الراقصة بشعوره بقوته وكماله. يدعو (حسناً) من كان يماثله شرفاً وسيادة، ويدعو (رديئاً) من يختلف عنه. الخير عنده ما هو إلا مجموعة تلك الصفات الطيبة والخلقية التي يقدرها في نفسه وفي أقرانه. يبهج نفسه أن يكون قوياً وقديراً. يعرف أن يخضع غيره ويخضع نفسه. يقسو على نفسه كما يقسو على سواه. يقدس هذه الصفات عند الآخرين ويحتقر الضعف والجبن حيث ظهرا، يسخر من عاطفة الشفقة والنزاهة؛ ومن كل الفضائل السائدة اليوم، لأنه لا يراها صفات تليق بسيد. يعجب بالقوة والقسوة والخداع، لأن هذه الصفات تحقق له ظفره في النضال، يحترم الميثاق عند أمثاله الأقوياء، ويجد نفسه في حل مع العبيد الضعفاء، ينكل بهم إذا أراد نكالاً، ويسعدهم إذا أراد إسعادهم. له الأمر في أمرهم. يبذل روحه في سبيل قائده وأميره، ويكرم شيخ قبيلته، ويحترم تقاليد أهله
ألا أن الفضيلة الأرستقراطية لفضيلة قاسية متعصبة، ولما كان الشرفاء أقلية ضئيلة في جحافل كثيرة تتمنى الإيقاع بها، فعليهم أن يصونوا صفاتهم الخاصة التي تضمن لهم الفوز. وتقاليدهم التي اصطلحوا عليها في زواجهم وتربية أبنائهم وارتباط بعضهم ببعض هي من التقاليد العاملة على صيانة ذريتهم من الأخطار. لهذه الذرية الأرستقراطية إلهها الذي تتجسد فيه كل فضائلها التي قادتها إلى القوة وإلى هذا المظهر الذي بدت به، إن هذا الإله هو - إرادة القوة - التي ساقت الزعماء إلى السلطة، وجعلت منهم أقوياء سعداء، والعبادة التي يقومون له بها هي تفسير ابتهاجهم بالحياة على النمط الذي يفهمون منه أنهم جميلون أقوياء
هذه الفضيلة تختلف جد الاختلاف عن فضيلة العبيد، والضعفاء الأذلاء، وإذا كانت الكبرياء والبهجة بالحياة، هي العاطفة التي تموج في صدور الأسياد، فلا عجب إذا نما في صدور الضعفاء التشاؤم، ومقت الحياة، وكره الأقوياء. الأقوياء يكيد بعضهم لبعض. أما الضعيف