الغريب الذي يتصدى لهم فويل له، لأن غريزتهم في البأس والقوة لا تشبع إلا بسحقه! لأنهم يعتقدون أنهم بما فعلوا أتوا عملاً جليلاً يحق لهم به أن يغدوا على أفواه الشعراء أسماء مرددة، وهم - في ناظر هذا الغريب المغلوب على أمره - شياطين وقردة؛ تحمل الرعب والهول للآمنين. إن جرأة هذه الطائفة وجنونها وقسوتها، واحتقارها للأمان والحياة واغتباطها العميق بالتهديم وظفرها. كل هذه الصفات ينعتها أولئك المقهورون بالبربر والبربرية، وهكذا رجل القوة والبأس والرجولة في مذهب فضيلة الأسياد يصبح رجل اللؤم والرداءة في مذهب فضيلة العبيد. والرديء الشرير - في عرف الضعيف - هو كل من ارتدى رداء القسوة والعنف والرعب، والجميل عنده كل هذه الفضائل التي يحتقرها الأسياد؛ الفضائل التي تخفف من شدة الظلم، وتمنع إرهاق المظلومين، وترأف بالبائسين المتألمين؛ فضائل الشفقة والرقة والصبر والتواضع والإحسان فضائله. إن العظيم الذي كان محارباً مخيفاً قوياً في شريعة الأسياد، يحول في شريعة العبيد هادئاً حليماً، ويصبح جديراً بالصغار، لأنه بالغ في توانيه عن القتال، وبالغ في لبسه ثوب المساكين
- ٣ -
والآن لننظر في هذه القيم الاجتماعية التي أنشأها العبيد، فان الشريعة المسيحية وفضائلها تولدت في تلك البيئة. وعصابة العبيد والضعفاء والمنحطين وجدت زعيمها في الكاهن، ومن هو الكائن؟ ينبغي للكاهن أن يكون (منحطاً) ليمكنه تفهم رغائب شعبه المريض، وهو بعد هذا يجب أن يصون سلطته وزعامته لتتجه إليه ثقة المتألمين، ويكون حارسهم الأمين المسيطر عليهم، وإلههم الذي منه يخشون. وهي مهنة تستلزم منه أن يحرس الضعفاء من الأقوياء، ويعلن العداوة بينه وبين الأسياد. عداوة سلاحها سلاح الضعيف: مراوغة وكذب ورياء. فيحول بنفسه حيواناً مفترساً مروعاً كالحيوانات المفترسة التي يحاربها، ولا تقف مهنته عند هذا فحسب، فهو مضطر إلى أن يحرس الشعب من نفسه ومن النوازع السيئة التي تتمشى عادة في الشعوب المريضة، يقاتل بحكمة وقسوة كل ما يخيل إليه فيه فوضى أو تفسخ أو انحلال، يلمس هذه النوازع الملتهبة ويزيدها ضراماً دون أن يعود ضرر منها على القطيع وعلى راعي القطيع. قد تكون هذه المهنة نافعة من وجه، لأنها تهذب بعض الفاسد، وضارة من وجهه لأنها تقف عثرة في سبيل حركة التقدم الطبيعي