قالت ماجدا تخاطبنا في شيء من الاستغراب: - (إليكم حادثة من حوادث قطركم هذا ما كان أغربها عندي إذ تلوتها مجملة في هذه الجريدة الإنكليزية التي تصدر عن عاصمتكم دار السلام بل التي كانت يوماً ما دار السلام)
وأخرجت جريدة (التيمس) البغدادية من حقيبتها فألقتها على المائدة التي كانت في وسط مجلسنا مغطاة بأقداح الشاي وعدته. ثم ابتسمت ابتسمنا مدركين المعنى المقصود بقولها عن بغدادنا (التي كانت دار السلام) لأنها أصبحت دار الحرب منذ سنة ١٩١٧، الحرب النارية الدامية أولاً، والحرب السياسية ثانياً، وقالت:
- (هل يصدق أحد منا نحن معشر الأوربيين لو سمع هذا الخبر في بلده، إذا كان يجهل حقيقة الحياة الاجتماعية في بلادكم: أن صبياً في الحادية عشرة من العمر وأخاً له أصغر منه يقتلان أختاً لهما لأنها انحرفت عن صراط العفاف. هذا ما تقوله هذه الصحيفة - اليوم - عن صبيين من حي (باب الشيخ). فواعجبا! حتى الصبيان تجعل منهم النخوة البدوية والغيرة قساة ذابحين؟)
قلت وقد بدا لي أن أهون عليها ما سمعت:
- (لقد نقلت هذا الخبر جريدة أخرى وقالت عن الصبين القاتلين إنهما يحترفان نحر الجزور لدى جزار. وربما كان احترافهما هذه الحرفة التي ألفا فيها رؤية الدماء والضحايا من الخراف وغيرها صباح مساء ذا أثر عميق في نفسيهما، فهان عليهما ما فعلا. وأرجو ألا ترى سيدتي الفاضلة في ذلك دليلاً على وجود ميل طبيعي في مواطنينا إلى التوحش وقتل الإنسان. . . وأردت أن أعلل الدوافع التي دفعت الصبيين إلى إتيان هذا الأمر، فلم تدع لي مجالاً للكلام، بل قالت، وقد مضت ترتشف الشاي وتبدي إعجاباً خارجاً عن موضوعنا بالقمر الزاهر المضيء فوق دجلة، في سماء معروفة بجمالها لدى كل غربي ساح في البلاد العربية وبلغ بغداد:
- (كلا لم يخطر ببالي أن أتهم العرب العراقيين بالميل إلى التوحش وقتل الإنسان لعين الأسباب التي تدفع غيرهم من أبناء البلاد المتأخرة إلى القتل وإزهاق الأرواح ظلماً