للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو سخاماً على رأسه)، وانصرف لطيته. . . . وكان الناظر إلى وجهه يرى الشر عليه بادياً في وضوح

وما عتم أن قام إلى بيته متثاقل الخطى، قابضاً بيده اليمنى على خنجره، رسول الموت الذي طالما أزهق الأرواح

وعاد بعد قليل، فاقتعد مكانه الأول من القهوة، وجعل يدخن، كما كان. . .

ومر به صاحبه، وكانت القهوة حافلة بالكهول والشيوخ ذوي النظرات القاسية والعمائم الكبيرة، فنظر إليه قليلاً، ثم أقبل عليه، فجلس إلى جانبه، ومال إليه برأسه يكلمه همساً:

(أن في عمامتك لنكتة سوداء نبهتك إليها فلم تزلها بعد)

كان الجواب نظرة تطاير منها الشرر، ولكن أحمد لم يفقه لها معنى

وكان سكوت، ثم قام الرجل تاركاً صاحبه جالساً في مكانه، دهشاً، ومشى إلى بيته متثاقل الخطى، قابضاً بيمينه على خنجره ذلك الذي طالما أزهق الأرواح

وعاد بعد قليل فاقتعد مكانه الأول من القهوة، بجانب صاحبه، ثم جعل يدخن كما كان. . .

قال له أحمد:

- (غريب هذا الذي أرى منك أيها الأخ! هل أنت آت من بيتك؟ كيف غفلت كذلك عن إزالة النكتة من السخام التي في عمامتك؟)

وهنا أنفجر الرجل من شدة الغيظ، وقام على قدميه مرتجفاً، وقد دارت به الأرض الفضاء:

- (ويلك لم تبقى إلا أمي العجوز!)

تلك هي القصة التي قصها علينا المشايخ فيما قصوا وحفظوا من حكايات بغداد في زمن قديم خلا

لقد نحر عبد الحميد زوجه وأخته بيده، واحدة تلو أخرى، كما ينحر الجزار الخراف والبقر، ليزيل السخام من عمامته. فعمامته هي التاج، تاج الشرف والعرض والكرامة فوق هامته في هذه الحياة، وشرفه وعرضه وكرامته شرف أسرته وعرضها وكرامتها، وكل أولئك من شرف قبيلته وحيه وعرضهما وكرامتهما، فان وسخ العار ذلك التاج ودنسه فلا يطهره منه إلا الدم والموت. ولم يلم الرجل على ما فعل أحد، لأنه فهم ما قال له صاحبه على غير حقيقته، بل لاموا صاحبه الذي لم يستطع إيضاح ما قصد بعبارته التي توهم سامعها

<<  <  ج:
ص:  >  >>